للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصريح على الناس في جرأة واستخفاف. ومتى أهتم الحسن بالجمهور، وقد جانب المحجة، وخلع العذار!!.

ولقد ظهرت براعته العجيبة في مكة حيث عرف فتاته في لجج طاغية من الزحام الحاشد، فجعل يتبعها خطوة خطوة، ويتعقبها في طوافها تعقباً يدعو إلى الغرابة والدهشة. ومن حيله الماكرة أنه التمس تقبيلها للحجر الأسود فقبله معها في وقت واحد، وطاف بخده على صفحة وجهها الفاتن، وقد شاهده في هذا الوضع المريب محمد بن عمر الجماز فصاح به: (ويحك! في هذا الموضع لا يزجرك زاجر، ولا يمنعك خوف الله، ولا يردك حياء من الناس؟) فقال له الحسن (يا أحمق، وهل حسبت قطع المهامة والسباسب إلا للذي حججت له، وإليه قصدت)، ثم شاد شيطانه الداعر أن يكشف حيلته للناس، فقال هذه الأبيات

وعاشقين التف خداهما ... عند استلام الحجر الأسود

فاشتفيا من غير أن يأثماً ... كأنما كانا على موعد

لولا دفاع الناس إياهما ... لما استفاقا آخر المسند

ظلنا كلانا ساترا وجهه ... مما يلي جانبه باليد

نفعل بالمسجد ما لم يكن ... يفعله الأبرار بالمسجد

ولقد كانت مشاعر الحسن - وهو الشاعر المطبوع - متيقظة منتبهة في طوافه وتلبيته، فلم يكد يسمع الترانيم الشجية يصدح بها الملبون طوائف تتلاحق وتتتابع، حتى حركت أوتار قلبه وأخذ النغم الساحر يسكب في سمعه نشوة راقصة فنسى جنان بضع لحظات وسحره الجمع الحاشد يصيح ويستصرخ، قلبي مع الملبين تلبية هي في الواقع تغريدة عذبة صدح بها فنان موهوب، فهو يقول في رنة حلوة وتوقيع جميل:

إلهنا ما أعدلك ... مليك كل من ملك

لبيك قد لبيت لك ... وكل من أهل لك

لبيك إن الحمد لك ... والملك لا شريك لك

والليل لما أن حلك ... والسابحات في الفلك

على مجارى المنسلك ... ما خاب عبد أمّلك

أنت له حيث سلك ... لولاك يا رب هلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>