للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن ودع الإخوان توجه إلى العزبة، وبات بها ليلة.

وفي الصباح تعوقت (القياسة) حتى طلع الريح، فلما يمكن للمعدية أن تقطع العتبة فأحتاج أن ينام عند برج الشيخ محمد،

وكان قد قصده للتنزه والتفرج مع شيخه البديري، ويقول الشيخ (وهذا البرج فيه بعض مدافع، ترهب العدو، إذ الأمر الإلهي ما له مدافع، ولقد تمنيت أن لو مكنت فبنيت أبراجاً عدة، على سواحل البحر، يكون فيها للتغور نجده وعدة وعدة، وليست إلا حماية الله هي الواقية، وكفاية الله هي اللاقية، وجماعة العزبة صندهم رهبة للعدو وفي الفرار رغبة، فلا يستعمل على المراكب، إلا كل مغربي متين السيوف راكب، فإن لهم معرفة بالحرب، وحب في الطعن والضرب، وبغض في الكفرة اللئام، واقتحام في ميدان الأهوال العظام (كذا) فصعدنا البرج نهاراً، وثبنا لديه إلى أن زاد الفجر إسفاراً، وقطعنا العتبة أول النهار، والبحر ساكن، والقلب بعون الرب راكن، ووصلنا (الشيطية)، وأجلست في القمرة التحتية، وأعددت نزولي فيها من الذنوب السوالف، حتى جرى الدمع على الخدود والسوالف، ولقد كنت أتطير من النزول في المغفر، لما أسمع من تعاطيهم المنكسر، ولما عرف مستأجر المركب قبطانه فينا، أخذ يلاطفنا ويصافينا، حتى أنه أذاب ماء وسكراً ممزوجاً بماء الليمون، وأتاني به فلم أقبله خوفاً من نجاسة الماعون، فنادى المستأجر وأخبره بطهارته، فأعلمه بعدم شربه، ومن مهارته أمره أن يغسل آنية، وأن يتعاطى تذويب السكر بيده علانية، ففعل كما أمر وجاءني بها الريس، وأظن أسمه عمر، فشربت بعض شربي، حيث طاب قلبي، وصار يتلطف بي، ويدعى ودي وحبي، وأنا برئ منه ومن وداده، وفي غنية عن حبه وانقياده).

ونام أول ليلة وهو يتأمل سرعة الوصول إلى يافا، فتراءى له في المنام أحد شيوخ دمشق الشام وأسمه أحمد سراج، ونشر أصابعه الخمس، فاستفاق الشيخ مذعوراً، وبان أن المراد الإقامة في البحر خمسة أيام، ومكث الريح المريح أربعة أيام يهب ويستريح وقابل هو وإبراهيم البلاصي الحريشي الرسالة المرسومة (بالمنهل العذب السائغ لوارده، في ذكر صلوات الطريق وأوراده) وقابل (الألفية في طريق السادة الصوفية). وضاق الشيخ ذرعاً لطول الإقامة في البحر، من أمر النجاسة، فإنهم أي أهل المركب كانوا غارقين فيها حساً

<<  <  ج:
ص:  >  >>