وجيعة النفس لمصاب الملوك أشد من وجيعتها لمصاب السوقة؛ وأن يكون الموضوع مقتبساً من الماضي ليكسب العمل جلال القدم؛ وأن يكون الهوى المحرك للرواية هو الطمع أو الانتقام أو الحب.
هكذا كانت المأساة بعد كوزني: أرستقراطية العمل والأشخاص والأسلوب والغرض. وقد درج الناس دهوراً يوجبون أن تكون نهايتها فاجعة محزنة، أخذاً برأي أرسططاليس كما علمت، ولكن هذا الرأي جانبه المنطق وخالفه الواقع فأصبح غير واجب ولا محتوم، لأن العمل قد يثير الإعجاب ويبعث الرهبة والرحمة، ثم ينتهي مع ذلك بالسرور والغبطة.
غرض المأساة: فغرض المأساة إذن هو إصلاح النفوس بإثارة الرهبة من الجرم الفاضح، والرحمة للفضل المعذب، والإعجاب بالصنع الجميل. وطريقها إلى ذلك أن تمثل لنا أمثالنا وهم يصارعون الخطر ويكابدون المصيبة، على شرط أن يكون هذا الخطر مما يفزعنا، وتلك لمصيبة مما يروعنا، وأن يكون هذا التمثيل مصبوغاً بلون الحقيقة حتى يخدع أبصارنا ويملك بصائرنا، فنتأثر التأثير الذي نحبه
على أنك تسألني ما لذة المرء في شهوده نوائب الناس وسماعه أنين غيره؟ يقول ارسططاليس إن مصدر هذه اللذة هو إتقان التقليد، ويقول (لكريس) إن مصدرها شعور الإنسان بالنجاء والأمن من مصائب يصلاها غيره وهو بعيد عنها، كلذة الجالس على شاطئ البحر يبصر في عرضه سفينة تصارع الموج وتكافح الخطر وهو رخي البال هادئ السر. ويؤخذ من خطاب الشاعر الهندي طاغور الذي ألقاه في مسرح الأزبكية حين مر بمصر أن مصدر هذه اللذة تمثيل الحقيقة. (لأن الحقيقة من حيث هي، جمال لا يعد له جمال. ألست ترى إلى صورة المرأة العجوز أبدعها فنان ماهر؟ إنك تنظر إلى الصورة فتقر بجمالها، ولكن العجوز التي فيها ليست على شيء من الجمال، وإنما جمال الصورة أنها تمثل هذه المرأة على حقيقتها)
ونحن لا ننكر أن المرء يروقه أن يفزع من الخطر وهو بعيد، ويلذه أن يألم المصاب غيره وهو آمن، وأن تفكيره في سلامته من هذه الأرزاء وبراءته من تلك الأدواء سبب من أسباب سروره حين يشهد مأساة على المسرح، ولكن السبب الذي يبعث فينا تلك اللذة الغريبة من رؤية الألم وسماع الأنين غير هذا كله. فإن الأطفال وهم لا يفكرون هذا التفكير