للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التمييز - وسط الجاذبية التي تؤثر عليه - فيما إذا كان ذلك الانجذاب نتيجة عوامل طبيعية محصنة، أو هو نوع من الخيال، أو نتيجة اتحاد روحي متين.

ومع ذلك فقد ظن الرسام أنه يحبها، وتعهد مئات المرات وأقسم على الاخلاص لها وألا ينظر إلى امرأة غيرها وكانت في الحق رشيقة؛ رشاقة فتيات باريس. وكانت تثرثر وتتحدث بعبارات جنونية في صور مسلية. وتومئ إليه بحركات جذابة؛ وتف أمامه وقفات فاتنة تسر كل فنان.

ولم يدرك جان مدة ثلاثة أشهر بأنها في قرارة نفسها لا تختلف عن أية فتاة أخرى من طرازها. بل أستأجر لها داراً في (أندرس) لقضاء فصل الصيف. وكنت هناك ذات مساء عندما ابتدأت أولى الشكوك تفرض نفسها فرضاً على نفس صديقي. كانت ليلة بديعة، فقررنا التنزه على ضفة النهر. وكان القمر يرقص على صفحة الماء المتألق، فتلألأ صورته بتأثير تيار الماء الجاري.

كنا نسير على طول الضفة، وقد تملكنا شعور مبهم من السعادة، تلك السعادة التي كثيراً ما تغمرنا في مثل ذلك المساء الكامل. وشعرنا بأننا نستعرض منظراً ساحراً، وبأننا وقعنا في حب سماوي مع ما صورته لنا مخيلتنا الشاعرية. كنا ندرك في عجب هذه الأحاسيس الغريبة المثيرة. وسرنا صامتين متأثرين من هذا الهدوء وبهجة هذه الليلة. وظهر القمر كأن ضوءه يخترق ذاتنا؛ يخترق الجسد فيغرق الروح في حمام شذي من الرضا. وفجأة انفلتت من جوزفين - وكان هذا أسم الفتاة - صيحة وهب تقول - هل رأيت السمكة الكبيرة وهي تقفز هناك؟

فأجاب الرسام دون أن ينظر إليها أو يعي كلماتها - نعم يا عزيزتي.

ففقدت هدوءها وقالت: كلا إنك لم ترها؛ فأنت تستدبرها

فأبتسم وقال: إنك على حق. إن المساء من الجمال حتى لا أستطيع أن أفكر إلا فيه.

فلم تفه بكلمة فترة من الزمن، ثم قالت أخيراً وكأنها شعرت بأنها في حاجة إلى الكلام - ألن نذهب غداً إلى باريس؟

- لست أدري.

فقطبت قائلة - هل تعتبر ذهابك إلى نزهة دون أن نتحدث نوعاً من التسلية؟ حتى الأغبياء

<<  <  ج:
ص:  >  >>