فلم يجبها. ثم أدركت ببديهة المرأة المتمردة أنها أثارته، فطفقت تغني أغنية شائعة. فتمتم قائلاً - أصمتي أرجوك.
فردت في حنق - ولماذا أصمت؟
فأجاب - إنك تفسدين علينا لذة التمتع بجمال الليلة.
ثم حدث ما لا يستطيع تجنبه في مثل هذه الظروف، ذلك المنظر الكريه. ابتداء بتوبيخات أعقبتها اتهامات ثم بكاء. وأخيراً عادا إلى الدار وتركها تصيح دون أن يقاطعها.
وظل ثلاثة اشهر يناضل في يأس في سبيل الفكاك من الأغلال التي كانت تقيده بها. وكانت قد استغلت عاطفتها المسيطرة عليه لتجعل من حياته بؤساً وجحيماً. . ولذلك كانا يتشاجران ليل نهار. . وأخيراً قرر أن يضع حداً لكل ذلك ويهرب. . . فباع لوحاته وأقترض مالاً وتركه وخطاب وداع على حافة المدفأه، ثم التجأ إلى منزلي.
وقبيل الساعة السادسة بعد الظهر قرع الجرس فذهبت وفتحت الباب. . . فبدأ لي وجه امرأة نحتني جانباً ثم اقتحمت طريقها إلى مرسمي. كانت جوزفين. وهب الرسام واقفاً عند ما دلفت إلى الغرفة وألقت برسالته والنقود تحت قدميه في اشمئزاز ظاهر، ثم صاحت في جفاء - إليك نقودك -. لست في حاجة إليها.
كانت ترتجف وقد شحب لونها وهي في حالة تدفعها إلىارتكاب أي شئ. أما الرسام فكان منفعلا شاحب الوجه غيظاً وكمدا. فسألها - ما الذي تريدينه؟
فأجابت - إني لا أود أن تعاملني كعاهرة. لقد أردتني فاستجبت لرغبتك. ولم أطلب منك شيئاً. إنك لا تستطيع أن تندبني.
فضرب الأرض بقدمه وقال - كلا. . إن هذا لكثير. إذا كنت تعتقدين أن. . .
فأمسكت بذراعه وقلت له - لا تقل شيئاً يا جان. دع الأمر لي.
وجعلت أتحدث معها في لباقة، واستعملت كل ما وعاه عقلي من مناقشة خليقة بهذا الموقف، فاصغت إليّ دون أن تتحرك وهي تحدق أمامها صامتة عنيدة. أخيراً بعد أن قلت كل ما استطعت قوله، وبعد أن أيقنت أنه لا توجد ذرة من الأمل في السلام، فكرت في إطلاق آخر سهم من جعبتي فقلت: