للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والخلق جمعا عبيد الله المتصرف فيه، فهم يخدمونه بحق عبوديته لهم وملكيته إياهم، فطلبهم للأجر خروجعن محض العبودية وخلاف لناموس الخضوع؛ فالعبد الذي لا يشوب خدمته بطلب العوض هو المقرب من مولاه الأثير عنده.

سئل أحدهم عن معنى هذا فقال: (إذا كان لك من العبيد أربعة، أولهم لا يريدك ولا يريد منك، بل قلبه متعلق ببعض عبيدك فله يريد ومنه يريد، والثاني يريد منك ولا يريدك، فهذا إرادته مقصورة على نيل حظوظه منك، والثالث يريدك ويريد منك، فهدا يخدمك ويتقرب إليك لنيل ما يبغي فإرادته لك وسيلة. والرابع يرد ولا يريد منك، فإرادته مقصورة عليك وعلى مرضاتك، فهو لا شك آثر الجميع وأقربهم منزلة منك وأحبهم إلى قبلك والمخصوص من إكرامك وعطاياك).

ويظهر إخلاص العبد لسيده في القيام بواجب الشكر على ما أولاه من نعم ووهبه من عطايا؛ لأن حقيقة الشكر عبادة الشكر والشكر مبنى على قواعد خمس.

خضوع الشاكر للمشكور، والفناء في حبه، والاعتراف بنعمه ظاهرها وباطنها والثناء عليه بهذه النعم - أي الإحسان منها إلى عباده واتفاقها في أوجه الخير، وهذا هو الثناء بالنعم على المنعم - وألا يستعملها العبد فيما يكره سيده، والأعراف بأن هذه النعم قد تفضل بها السيد على عبده وهو ليس أهلالها. قال الجنيد: (الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة) ومن أنواع الشكر أن يفنى العبد نفسه في ذات المنعم عن رؤية النعمة فلا تحجبه رؤيتها عن مشاهد المتفضل عليه والمنعم بها. قال الشبلي: (الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة).

والشكر درجتان: شكر العامة ويكون على المأكل والمشرب والملبس وقوة الأبدان وأعراض الدنيا، وهذا ليس من الفتوة في شئ؛ وشكر الخاصة، ويكون على التوحيد والإيمان وقوة القلب وصفاء النفس. ومعنى هذا أن يكون بالقلب خضوع واستكانة، وباللسان اعترافا وثناء، وبالجوارح طاعة وانقيادا، وهذا من خصائص الفتوة، وكلما ازداد العبد شكرا ازداد المنعم عليه تفضلا ومنه تقريبا؛ ففي الأثر الإلهي: (أهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي) ويزيد بعضهم نوعا ثالثا من الشكر وهو أن يكون على ابتلاء الله الذي ينزله بعبده، فيعتبرون هذا البلاء نعمة يذكرهم الله بها فهم دائما في حضرته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>