أما المديح فقد كان من أهم المشهيات التي جذبت أصحاب البديعيات إلى النهج البوصيري والنظم على نمط البردة. وقد التزموا أن يضمنوا كل بيت من أبيات البديعية ضربا من ضروب البديع، وزاد عز الدين الموصلي هذا الالتزام بأن التزم التوربة بكلمة ما عن اسم الضرب البديعي المضمن. فأصبحت قيود البديعية خمسة، غير أن القيد الخامس لم يلتزمه كثير من البديعيين. وفي الوقت نفسه ترى أبياتا في بديعية عز الدين اقتصر فيها على التورية باسم النوع البديعي دون ذكر مثاله.
وقد نظم بعض الأدباء فيما بعد، بديعيات لم يلتزموا فيها بحر البردة ورويها وغرضها، وهذا في رأينا انحراف عن الشروط الأولى للبديعية، وخروج بها عن جادتها الأصلية.
ومن أصحاب البديعيات: صفي الدين الحلي (٧٥٠هـ)، وابن جابر الأندلسي الضرير (٧٨٠هـ) وعز الدين الموصلي (٧٨٩هـ) وتقي الدين حجة الحموي (٨٣٧هـ) وشرف الدين بن المقري اليمني (٨٣٧هـ) وتاج الدين بن عربشاه (٩٠١هـ) والجلال السيوطي (٩١١هـ) وعائشة الباعونية (٩٣٠هـ) ولها بديعيتان وعبد الغني النابلسي (١١٤٣هـ) وله بديعيتان ايضا.
ومبتكر فن البديعيات، صفي الدين الحلي، وقد صرح بذلك في مقدمة بديعيته، وروى رؤيا ذات شبه برؤيا البوصيري، وذلك أنه عرته علة طالت مدتها واشتدت شدتها، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام في نومه، يتقاضاه المدح ويعده البرء. فنظم على إثر ذلك بديعيته. ومن يقرأ ديوان الحلي يشعر أن الرجل قد طاع له من البديع ذهبه، ولان حديده، فاستطاع أن يبتدع في صوغه حلى قل أن يجاريه في صوغها شاعر.
وهذا مما يؤكد دعواه في ابتكار فن البديعيات._على أن الدكتور زكي مبارك في كتابه (المدائح النبوية) رأى أن مبتكر هذا الفن هو ابن جابر الأندلسي، ولم يقم وزنا لهذه النزعة البديعية الجارفة التي طغت على نفس صفي الدين ودعنه إلى التجديد في البديع، ولا لسبقه ابن جابر في الوفاة بنحو ثلاثين عاما. وقد عقب على ما ذهب إليه الدكتور، زميلنا الفاضل الأستاذ أحمد موسى المدرس في كلية اللغة العربية، فكتب فصلا ممتعا عن البديعيات، في رسالته الشائقة (الصبغ البديعي). وقد كشف كشفا في هذا الموضوع له خطره؛ إذ وجد أن