يعاشرها، ومن رجل يظهر في زي النساء ويفخر بالقوم الرشيق، والخد الأسيل، ومن دعي موغل في كبره، يدعي الجود وهو سليل بيت البخل والشح، ومن جاهل يدعي العلم، وما هو إلا ببغاء تهرف بما لا تعرف، ثم ينتهي به المطاف إلى أن يقول:
فخر كل منهم أن له ... ألف وجه بين صبح ومساء
وفي قصائد (سافرة) و (لقيط) و (سأم قاتل) و (زميل) صور ناطقة في المجتمع.
أما الديوان الآخر فهو (الفجر الصادق) للشيخ عبد الله عبد الرحمن، والحق أن صاحب هذا الديوان من المخضرمين فهو يأخذ خير ما في المدرسة القديمة، ويتناول أشياء كثيرة من المدرسة الحديثة، وفي هذا الديوان مجتمع سوداني، وأهم ما يأخذ القارئ في هذا الديوان أمران.
عنايته بالتعليم، وهذا الموضوع قد استغرق جزءاً كبيراً منه، فيتحدث عن المدرسة الأهلية، وعن مدرسة الأصفاد، وعن كلية غردون، وعن تكريم البعثات العلمية، وعن يوم التعليم، إلى أشياء كثيرة من هذه الموضوعات.
ونستطيع أن تقول أنه يندر أن يفلت من بين يديه أمر يتعلق بالتعليم دون أن يقول فيه، ومن شعره في كلية غردون.
لها علينا وإن ضنت بموعود ... قديم عهد وحق غير مجحود
كم خرَّجت من فتى حلو شمائله ... مشمر الساق في الأتراب محسود
كأنما الجهل طوقان يحيط بنا ... وهي السفينة قد أوفت على الجودي
يا معهدا طاب ماضيه وحاضره ... لا كان ربعك يوما غير معهود
لا أنت في واجب السودان وانية ... ولا مقامك فيها غير محمود
قالوا وفود على أبوابك ازدحمت ... وهل سمعت بعذب غير مورود
وعناية باللغة العربية، وشعراء السودان يولون هذه الناحية نصيبا من جهودهم، ولكن الشيخ عبد الله صريح كل الصراحة حين يتناول هذا الموضوع. قرأت قصيدة طويلة للشيخ عبد الله البنا عنوانها (دمعة على اللغة العربية) بكى فيها حاضرها وأشاد بماضيها، وللشيخ عبد الله أبيات كثيرة، يسوقها كلما سنحت له الفرصة، يقول في قصيدة نبوية:
بنى وطني أن قمت للضاد داعياً ... فإني أدعو للتي هي أقوم