يتعلق بحياته فقلت: إنه لم يكن بائسا حقيقياً، وإنما كان يصنع البؤس، وتضمن السياق ما يدل على انحلاله. وسواء أ: ان الديب هو صانع البؤس أم انحرافه، فهو وانحرافه (متضايفان)، وقد تعلمنا أن الإسناد إلى أيهما صحيح
أما مسألة الانحلال، فقد كان لكلامي فيها إشارة إلى لون من الناس يحلو لهم أن يصطنعوا الانحلال دلالة على أنهم أدباء وفنانون! ألم يكن الديب الشاعر منحلا؟ وهم منحلون، فهم إذن في الأدب والفن عباقرة العصر في مصر!
وأنا إن كنت أوافق الأستاذ على أن الانحلال الخلقي لا يعوق الفن إلا أنني أقف عند قوله:(إن الخلق الكريم والفن الرفيع قلما يلتقيان) فلا أسلم بهذه القضية.
إن النابغين من ذوي الانحلال الخلقي يجيدون حقا في التعبير عن ميولهم وتصوير تجاربهم، وهم كثيرون، ولكنهم لا يغلبون على ذوي الخلق الكريم، وأنا لا أميل إلى التعبير الخطابي، وإنما أريد أن أفرق بين الانحراف في الخلق والشخصي وبين الانحلال في الصفات الإنسانية الرفيعة، وقد اجتمع الاثنان الديب، ومن النوع الثاني فيه الحقد وعدم الوفاء ومقابلة الإحسان بالمساءة، وهذا النوع لا يقبله الفن الرفيع. وعلى ذلك أقول الآن: إن الديب لم يكن ذا أدب رفيع.
الشخصية السليمة:
ألقى الدكتور إبراهيم ناجي محاضرة نفسية موضوعها (الشخصية السليمة) بنادي رابطة الأدباء يوم الأحد الماضي، فعرف الشخصية بانها التجاوب المنسجم بين البيئة وين العقل والشعور المتماسكين، وشرح التماسك بأن وحدات العقل واتجاهات الشعور قد تختلف فيما بينها ولكنها كمجاذيف السفينة تختلف اتجاها وتتحد في الهدف، فالعوامل النفسية تتنازع، ولكنها تتفق على الغاية فتمضي إليها كالتيار الجاري. ويقابل التماسك الصراع وهو أن تتعارض العناصر ويعمل كل منها ضدالآخر، فينفك بناء الشخصية. وقال إن في متناول أيدينا أن نجعل من اتجاهات نفوسنا طرقا قوية متلاصقة متلاحمة متوازية، وأول عامل في بناء الشخصية هو ما يسمى (قبول النفس) وهو أن يقبل الإنسان نفسه كما هي، لا يجزع من عيوبه ولا يعدها مهانات بل قيودا عليه أن يحطمها، ولا يعدها عوائق بل حوافز تدفع إلى الأمام، فيواجه نقائصه ولا يهرب منها، كما فعل سقراط إذ ألف أرستفانيس مسرحية