خرجوا من القبور يوم النشور من الخوف والجوع والبرد.
وأما أهل الحلة والكوفة فإنهم انتزحوا إلى البطائح بأولادهم وما قدروا عليه من أموالهم وحضر أكابرهم من العلويين والفقهاء مع مجد الدين بن طاوس العلوي إلى السلطان وسألوه حقن دمائهم فأجاب سؤالهم.
وفي هذه المجازر كان موقف الطوسي حرجا حتى كاد مرة أن يبطش به هولاكو. وكان يستعمل الحيلة ويبتكر الأساليب لتخليص الناس من بطش هولاكو.
قال ابن شاكر في فوات الوفيات والصفدي في الوافي بالوفيات دهاء الطوسي ما حكى أن حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان فأمر بقتله فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ذلك فقال النصير هذا الخان أن أمر بأمر لا يمكن رده خصوصا إذا برز إلى الخارج. فقال له لا بد من حيلة في ذلك فتوجه الطوسي إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة ثم اصطرلاب وخلفه من يحمل مبخرة وبخوراً وناراً فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم، فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الاصطرلاب ناظراً فيه ويضعه فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا على هولاكو وأعلموه، ثم خرجوا إليه فقال لهم الخان أين هو؟ قالوا جوا (أي داخل المخيم) قال طيب معافى موجود في صحة؟ قالوا نعم، فسجد شكرا لله تعالى، ثم قال لهم طيب في نفسه؟ قالوا نعم، وكرر ذلك مرارا وقال أريد وجهه بعيني، فدخلوا فأعلموه، وكان في وقت لا يجتمع به أحد فقال علي به؛ فلما دخل ورآه سجد وأطال السجود فقال له ما خبرك؟ قال اقتضى الطالع في هذا الوقت أن يكون على الخان أمر فظيع عظيم للغاية فقمت وعملت وبخرت بهذا البخور ودعوت بأدعية أعرفها أسأل الله تعالى صرف ذلك عن الخان. وينبغي الآن أن يكتب الخان إلى سائر ممالكه بإطلاق من في الاعتقال والعفو عمن له جناية لعل الله عز وجل يصرف هذا الحادث العظيم ولو لم أر وجه الخان ما صدقت، فأمر في تلك الساعة هولاكو بما قال، وانطلق علاء الدين صاحب الديوان في جملة من الناس. قال ابن شاكر وهذا غاية في الدهاء بلغ مقصده ودفع عن الناس أذاهم. وبعد فإنك واجد الطوسي كان يسير هولاكو إلى العفو عن المسلمين من طريق علم التنجيم وقد استغل إيمانه بخرافات المنجمين وأكاذيبهم - في بناء مرصد مراغة ومكتبتها العظيمتين اللذين خدما الثقافة الإسلامية خدمات عظمى وتقدما بعلم الفلك والهيئة،