منح رآك الله أهلاً أن تقل ... دها فقلدك الذي تتقلد
ذكرت مفاخرها الملوك وخير ما ... ذكرته منها أنها لك أعبد
ذكراك فيهم سجدة مسنونة ... فلذا متى تذكر لديهم يسجدوا
فإذا هم نظروا إليك فأعين ... حسرى، وأفئدة تقوم وتقعد
ملك الملوك وخير من عقدت له الت ... يجان في قدم الزمان وتعقد
وإذا علمت أن ملوك مصر في ذلك الحين كانوا حقاً زعماء الملوك في العالم، وكانوا أكبر رؤوس تطأطأ لها هام الملوك، وتنخلع من هولها قلوب الأعداء؛ وإذا أنت علمت أن مصر في تلك الأزمان كانت أكبر مملكة في الشرق والغرب، وأقوى دولة يقصدها الأوربيون بجموعهم، فلا ينالون منها إلا ما ناله الوعل من الصخرة، وإذا أنت علمت أن الجيش المصري هو الذي حمى الشرق وحفظه من الأجنبي الذي يريد أن يتحكم فيه وإذا أنت علمت أن الإسلام وحرية الأديان كانت تسهر عليهما مصر وملوك مصر، ويحيطونهما بسياج الحفظ والمناعة، إذا أنت علمت كل ذلك أيقنت أن هذا الذي مدح به هؤلاء الملوك لم يكن بالكذب ولا المغالي فيه، وأمامك كتب التاريخ فاقرأها تعد مؤمناً بصدق ما قاله في قوة مصر وملوك مصر.
شعر شاعرنا المدحي يعطيك صورة عن بعض نواحي الحياة المصرية في ذلك الحين، فهو يحدثك عن النزاع الذي كان قائماً بين المصريين والصليبين حينما وجه هؤلاء تيار حروبهم إلى مصر نفسها قلب العالم الإسلامي؛ فأغاروا على دمياط، ولكنهم فشلوا أيما فشل، واستطاع المصريون أن يخلصوا دمياط من حوزتهم ويرجعوهم بخفي حنين، وهو يحدثك عن هذه الجموع الكثيرة التي كانت أوربا تمد بها الجيش المحارب لدمياط، والذي يريد الغلبة عليها، قال أيدمر:
أيام قال الشرك بغياً للهدى ... دمياط لي، ولك الغداة الموعد
وأتى بما ملأ البسيطة كثرة ... والله ربك هادم ما شيدوا
جيش إذا مسحت يداه بقعة ... جف المياه بها، وذاب الجامد
كالسيل إلا أنه لا ينقضي ... والليل إلا أنه يتوقد
وأتى بك الإسلام وحدك موقناً ... أن سوف تهزم جمعهم وتبدد