والذي يظهر من أعماله أنه كان شديد المغالاة فيما يعتقد، وكان بينه وبين الحنابلة فتنة قائمة يكفرونه ويكفرهم؛ رمسه الذي كان بجانب قبر الشافعي قائلا لا يتفق مجاورة زنديق لصديق. ولكن كرهه للفاطميين وشدة إخلاصه للأيوبيين هي التي جعلت صلاح الدين يثق به ويكرمه ويقربه؛ برغم أنه مات وجدت له ألوف الدنانير، فلما سمع ذلك صلاح الدين قال: يا خيبة المسعى! وتوفي نجم الدين سنة ٥٨٧.
وفي عهد صلاح الدين أيضا درس فيها محمد بن هبة الله البرمكي الحموي، وهو فقيه فرضي نحوي متكلم أشعري العقيدة مرجع أهل مصر في فتاويهم، وله نظم تعليمي كثير: ألف أرجوزة في العقائد لصلاح الدين وأخرى في الفرائض أهداها إلى القاضي الفاضل.
ودرس بها كذلك سيف الدين الآمدي أذكى أهل زمانه وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية والمذاهب الشرعية والمبادئ المنطقية.
وأفضل الدين الخونجي ممن قام بالتدريس فيها، وهو فقيه شافعي يقول عنه ابن أصيبعة:(سيد العلماء والحكماء أوحد أهل زمانه وعلامة أوانه، قد تميز في العلوم الحكميه، وأتقن العلوم الشرعية)؛ وجعله الصالح أيوب قاضي قضاة مصر؛ ولنميزه في المعقولات كانت أكثر آثاره فيها؛ فله مقالة في الحدود والرسوم، وكتاب الجمل في علم المنطق، وكتاب كشف الأسرار في علم المنطق أيضا، وكتاب الموجز فيه كذلك. وكان الخونجي عالما بالطب أيضا وله فيه: شرح ما قاله ابن سينا في النبض، وكتاب أدوار الحميات. ولما مات سنة ٦٤٦ رثاه عز الدين الإربلي بقول:
قضى أفضَّل الدنيا فلم يبق فاضل ... ومات بموت الخونجي الفضائل
فيأبها الحبر الذي جاء أخرا ... فحل لنا ما لم تحل الأوائل
ومستنبط العلم الخفي بفكرة ... بها اتضحت للسائلين المسائل
فليت المنايا عنه طاشت سهامها ... وكانت أصيبت عن سواه المقاتل
فإن غيبوه في الثرى عن عيوننا ... فما علمه خاف ولا الذكر خامل
ومنهم قاضى القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز الذي ولى المناصب الجليلة، واجتمع له منها ما لم يجتمع لغيره، فأسند إليه نظر الدواوين والوزارة وقضاء القضاء وتدريس قبة الشافعي، والصلاحية والصالحية، والخطابة. وكانت له منزلة كبرى عند الظاهر بيبرس