ودرس بالصلاحية، وتولى قضاء القضاة أيضا ابنه عمر، فسار على طريقة أبيه، بل أربى عليها شدة هيبة. وسلك في ولايته طريق الخير والصلاح، وتحرى الحق والعدل، وتصلب في الأحكام. قال السبكي:(ولا يوجد أهل بيت بالديار المصرية أنجب من هذا البيت، كانوا أهل علم ورياسة وسؤدد وجلالة)؛ ثم عزل نفسه واقتصر على تدريس الصلاحية وتوفى سنة ٦٨٠.
ولما مات ولى أخوه عبد الرحمن المدرسة الصالحية والتربة الصالحية عوضا عن أخيه مضافا لما بيده من نظر الخزائن. وفي أيام قلاوون عرضت على عبد الرحمن الوزارة فأبى ثم قبلها بعد إلحاح، فلما نقلت عليه تركها. وكان للكارهين للملك الأشراف خليل، وبينه وبين وزيره ابن السلعوس تنافس وعداء، فعمل الوزير وسعى حتى عزله عن كل ما بيده من المناصب، وكانت سبعة عشر منصبا، وبالغ في إهانته؛ ثم سعى له بعض الأمراء فعين بالمدرسة الصلاحية، ولكن ذلك لم يرض ابن السعلوس فعقد له في ذي العقدة سنة ٦٩١ مجلسا وندب له العلم ابن بنت العراقي الذي نسب إليه كثيرا من العظائم فاعتقل ووعد بالقتل، وظل في بلاء إلى أول شهر رمضان سنة ٦٩٢، حيث أفرج عنه، ومضى مع الركب إلى الحج، وزار النبي صلوات اله عليه، وأنشده قصيدة يمدحه بها ومات عبد الرحمن سنة ١٩٥.
ووكل أمر التدريس فيها سنة ٦٧٨ إلى قاضي القضاة محمد ابن الحسن بن رزين بعد عزله من وظيفة القضاء؛ لأنه توقف في خلع الملك السعيد، وقرر له نصف المرتب الذي كان يتقاضاه الخبوشاني.
ولما مات ابن رزين وليها الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على أن يأخذ ربع المقرر، فلما عين بها الصاحب برهان الدين الخضر السنجاري قرر له المرتب كله، وقد عين الخضر قاضيا للقاهرة والوجه البحري، وجلس للحكم في المدرسة المنصورية بين القصرين، ورسم له أن يجلس في دار العدل فوق قاضي القضاة ابن بنت الأعز، ومات فجأة في ٩ صفر سنة ٦٨٦.
وكانت هيئة التدريس في هذه المدرسة مكونة من مدرس وعشرة معيدين، ومر بها ثلاثون