وإني إن اذكر ذلك لا أدعو إلى إدماج الكليات والرجوع بالأزهر إلى نظامه القديم، ولكني أقول أن اللازم أن يراعي في تقسيم الكليات صلة المواد بعضها ببعض فوق ما هو مراعي من جهة الاختصاص، فلا يقطع بين الطالب وين جميع المواد الأساسية في كلية أخرى؛ بل يدرس في كل كلية ما لا يستغني عنه عالم أزهري رسالته الأولى الدعوة إلى هذا الدين والدفاع عنه. فيعمم في جميع الكليات دراسة أصول الأديان جميعها وما طرأ على فروعها المختلفة من تغيير أو انحراف أو جمود وأسباب ذلك، وحال المسلمين الآن والوسائل الناجعة لتوحيد كلمتهم ورجوعهم إلى دينهم. كما يدرس في كل كلية من القضايا الأساسية في كل مادة أصلية في كلية أخرى تمس الحاجة إليه دراسة توسع وبحث واستيعاب لا دراسة سرد قضايا وتعداد أحكام كما هو الحال في دراسة الأصول في كليتي اللغة وأصول الدين. وتدرس جميع المقررات في الكليات ولا يكتفي بدراسة البعض والامتحان فيه كما هو الحال الآن. بل تقسم المادة إلى قسمين قسم يقوم بدراسته أستاذ المادة يتناسب مع الزمن المقرر لها بحيث يلتزم الأستاذ بالانتهاء منه، وقسم يترك للطالب تحصيله واستيعابه بحيث يكون الامتحان في جميع المادة. وهذا العمل فوق فائدته التامة للطالب من ناحية دراسته لكل المادة له فائدة أهم وهي تعويده الاعتماد على نفسه في دراسة ما يترك له مما يكون له شخصية مستقلة لا تركن في كل ما يعن لها إلى السؤال والاستفهام. بل تركن إلى البحث والتنقيب.
ورأيي أيضاً أن ينظر إلى الكتب المقررة نظرة فاحصة ليختار لكل مادة من الكتب ما تكون بعيدة عن الحشد والتعقيد والاستطراد وسرد المسائل التي لا يستفيد منها الطالب إلا تضييع الوقت وتعويده التشكك في كل ما يعن له من بحث. وأى فائدة تعود على الطالب الذي يريد دراسة مادة من المواد من صرف جل وقته أو كله في تصحيح عبارة أو الوقوف على خطأ تعريف أو معرفة الأولى إلى غير ذلك مما يضيع عليه الكثير من معرفة قضايا المادة وحقيقتها. ولو كان هذا بقدر حتى ينبه الذهن إلى تجنب الخطأ لكان حسناً، أما أن يكون هذا سبباً في صرف كل المجهود إليه فهذا ما لا يقره منطق.
ونحن الآن نرى تطلع المسلمين إلى الأزهر وحاجتهم إلى علمائه يبصرونهم بدينهم