للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول في وصف العمر (عمر البائس):

والعمر يحكي مستغيثاً علا ... أنينه ثم تولى صداه

وطفق أنور يرسل قطع الشعر، شعر القلب، تتراً. يستقيه من معين صاف لا ينضب، فتتناقله الألسنة، وتمشي به الصحف، وتستقبل فيه العربية شاعراً جديداً ملهماً، ويفتح له أستاذنا محمد كرد على أبواب المجمع، فيقيم له ولإخوانه الثلاثة حفلة تكريمية ينشد فيها أنور قصيدة من الشعر الجيد، عنوانها (الشاعر)، يحسن اختيار موضوعها وألفاظها ومعانيها، وتشق له هذه القصيدة الطريق إلى مجلة (الزهراء) التي كان يصدرها في مصر خالي محب الدين الخطيب، والتي كانت أرقى مجلة أدبية في تلك الأيام، وكنت أود أن ينشرها الشاعر في هذا الديوان (الذي لم يضم إلا الأقل من شعره) ليعرف منها القراء كيف كان أنور ينظم الشعر قبل عشرين سنة، وكنت أود إذ لم تكن في الديوان أن أرويها كلها، ولكنها طويلة تملأ صفحات من هذه المقدمة.

وشعر أنور في تلك الفترة آهات أبدعها الفن صوراً، ودموع صاغها البيان شعراً، ومقطعات حلوة، ما أدري ماذا زهد الشاعر فيها فلم يثبت منها في هذا الديوان إلا مقطوعة (الحمامة).

ورأيت فصول (الفلم) تتتالى. . . فرأيت فيها كل دقيق وجليل من حياة أخي في الصغر وفي الكبر، ورفيقي في السفر وفي الحضر، وأنيسي في المسرة وفي الكدر: أنور.

رأيت أيامنا في المدرسة، ونحن تلاميذ نعيش من الأدب في دنيا الخيال، إذ أعجزتنا دنيا الواقع أن نجد فيها ما نصبو إليه ونتمناه؛ لا نصدق متى ينقضي النهار، وننجو من هذيان جماعة الرياضيات، وطلاسم أصحاب الكيمياء، حتى نفر إلى كتب الأدب، نقرأ كل بارع من القول، ونتدارس كل رائع من البيان.

ورأيت أنور وقد بذ الأدباء جميعاً في (العلم. . .) بالرياضيات، حتى لقد عرف قطر الدائرة، وأضلاع المثلث، ولم يبق عليه ليبلغ نهاية العلم إلا أن يعرف القاسم المشترك الأعظم الذي لم يسمع به امرؤ القيس. . رأيته دائباً يكد ذهنه، ويمسح عرقه، يحاول أن يفهم سر المعضلة الكبرى التي لا يفهم لها سر، ويحل المشكلة التي لا يعرف لها حل: الجذر التكعيبي. وأشهد أني جزت الأربعين من عمري، ورأيت أياماً سوداً ولقيت شدائد

<<  <  ج:
ص:  >  >>