الخلاعة والمزاج. فلما وقف السلطان عليها أطلق المال من خزانته العالية.) الخ.
وقد بدأت الرسالة بأن تكلمت الدار. فسمت، وتقدمت وتسمت. وأخذت تخاطب القلعة الشهباء مقام الملك الصالح فمدحتها وأثنت عليها. ثم انتقلت إلى الشكوى مما أصابها من هجر مالكها الأول، بعد أن رأت ضروباً من العز والنعيم والتمتع. ثم مما كابدت من بعده من هم وبؤس. حتى هال فيرانها بؤسها، فتحدثت عنه فيما بينها، وأهمها أمرها، فتناقشت فيه واتخذته موضوعاً لجدال جاد.
فقام من بين الفيران خطيب سرد قصة الدار على سامعيه، ثم أوصاهم بالساكن الجديد خيراً - والساكن الجديد هو صفي الدين! - ثم تحدثت الدار عما كان من أمر صفي، وكيف أنه أعاد إلى رحابها عهد السرور والأنس، ومد فيها موائد الحبور والبهجة، حتى ضاقت ذات يده، وتغيرت به الأحوال، وتقلب عليه الليل والنهار. حتى جأرت الدار بالشكاية له ورثى لحاله فيرانها، وعاد أمره بنها مثاراً لجدل جديد. . .
ثم بينت أن سبب نكبته، ذلك الدين الذي أقرضه لنائب السلطان. . . وتضرع الدار في الخاتمة إلى القلعة الشهباء أن ترثي لحالها وتقبل شفاعتها في ساكنها، حتى يرد إليه دينه فتسعد حاله.
هذا ملخص سريع لمقامة صفي الدين. ومما قالته الدار في مفتتحها:
(بسم الله الرحمن الرحيم. المملوكة والمحرومة المرحومة، الموحشة بعد الإيناس، دار ابن الدكناس، تقبل الأرض بين يدي القلعة الشريفة، والذروة المنيفة. العزيزة الثناء سيدة القلاع، وواسطة عقد البقاع، وإنسان عين اليفاع، التي قلائدها النجم، ومطارفها الغيوم، وقرطاها الفرقدان، وقلباها السما كان. ونطاقها الجوزاء. وعجولها العواء. وفرقها المجرة، ونثر إكليلها إلا كليل والنثرة، حصن النجباء وكهف الغرباء وكعبة الأدباء. القلعة الشهباء.). . . الخ ومن شكواها قوله:
(وتنهى أن المملوكة، والمظلومة المضنوكة، يسكتها الحياء والأدب. وينطقها الإعياء والنصب. وشكوى الجماد إلى الجماد، كشكوى العباد إلى العباد. وإن المعهود، من تقادم العهود، أن الله إذا خص مخلوقاً بنعمه، عم بها أبناء جنسه، وأشركهم فيها مع نفسه). إلى أن قالت نصف حالها بعد ساكنها: (فلما طوحت بساكنها الأيام، إلى أقصى الشام، جفاها