الإخوان حيناً طويلاً، وهجرها الرفاق هجراً طويلاً، فكابدت بعده هما وبوسي، وأقامت فارغة كفؤاد أم موسى. لا تجد أنيساً في عراصها القفار، ولا تسمح حسيساً غير صهيل الفار. حتى رثت لها أكثر البيوت، وخيم على وجهها أسرة العنكبوت). . . الخ.
ومن كلا م الجرذ الخطيب في إخوانه، قوله بعد حمد الله والصلاة على النبي بتطويل وتنويع، موصياً إخوانه بحسن لقاء الساكن الجديد - صفي الدين - راسماً لهم سياسة هذا اللقاء:(هذه الدار المباركة أول تربة بركم أترابها. وأول أرض مس جسمكم ترابها. فلا يمكن على أيديكم خرابها. ألا وإنها منذ خلا مسكنها من ساكنها، وتمكن العفاء من أماكنها، جعلتموها ندوة نهاركم وليلكم، وحلبة رجلكم وخيلكم، والآن فقد أنجابت عنها أيام البئوس، وأفلت طوالع النحوس، ولحظها الدهر بعين الرضا، وقضى بسعدها فصل القضا. وتولاها نعم المولى. وابتدر لسكناها الصفي الحلي. وفي يومكم هذا يرسل إليكم من يلم شعتها، ويطهر خبثها. ومتى رآكم بها ساربين وفي قرارتها راسبين. كره مغناها، واتخذ لنفسه سواها. فعاد ربعها كالرمس. ومتى تقبلها إذا قابلها، أخصب ربعها، وتعدى إلينا نفعها. ألا وإن من استرشد بحكمتي، واتبع كلمتي، أثبته في أمتي، وأتممت عليه نعمتي). . .
والرسالة تقع في نحو سبع صفحات من القطع المتوسط. وهي فكاهية المنزع إلى حد كبير، جميلة الأسلوب رقيقة العبارة تمتاز عن رسائل صفي الدين الأخرى، بالوضوح والسلاسة بالرغم من قيود البديع التي راعاها؛ ولكنها سلمت من التعسف والثقل. وبها بعض الملتزمات اللفظية التقليدية المرعية في رسائل العصر من نحو (المملوكة) و (تقبل الأرض)
و (تنهى). واجتمعت بها أغراض كتابية عدة منها الدعاء والشكوى والمدح والوصف والمجون والحكمة٠
وقد عرضنا في هذا المقال لهذه الرسالة لكي تبرز إحدى خصوصياتها الهامة، وهى القص والحوار٠ ونستطيع أن
نفهم منها أن فكرة النثر التمثيلي كانت تتراءى في مخيلات بعض الكتاب في ذلك العصر٠ وان نقصها شئ من الإطالة ,
والتناسق وحسن الترتيب وقوة الحبكة وروعة الوقائع ودقة الاتصال بينها.