حقا! أصبحت القصة في عصرنا الحديث في مقدمة فنون القول , وكذلك التمثيليات. وألف من هذه وتلك، وترجم عدد
لا بأس به. وتناولها النقاد على اختلاف نزعاتهم بالنقد والتنويه والتعليق والتوجيه. وهم يبذلون محاولات جاهدة لكي يقننوا نقدهم، ويضعوا له الأسس والمناهج، حتى يعاونوا على تشييد صروح القصة والتمثيلية على دعائم متينة تسمق بفضلها إلى الكمال المنشود.
غير أننا نكلف الأيام ضد طباعها، ونرهق الزمن بما لا يطيق إذا نحن حاسبنا الأقدمين وفق شروطنا، ووزنا أعمالهم بموازيننا، ضاربين الذكر صفحاً عن الفروق بين ملابساتنا وملابساتهم، واتجاه الزمن بنا وبهم.
والذي نحب أن ننوه به هو أن القصة كانت لها حياة، وكان لها وجود، في العصر المملوكي، ولو إلى حد ما. وأن من مظاهر حياتها - فضلاً عن القصة الصريحة - المقامات والمحاورات والمفاخرات والموازنات والرسائل والوصفية، وتراجم الرجال والأبطال.
وفي مقدمة ما نشير إليه من ذلك كله كتاب (فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء).
ومؤلف هذا الكتاب هو شهاب الدين أحمد بن عربشاه الطبيب والمؤرخ الأديب صاحب كتاب (عجائب المقدور في أخبار تيمور) أصله دمشقي أنصاري، ولد بدمشق عام ٧٩١هـ، وقد هاجر مع أسرته منها حينما دهمها تيمور لنك التتري، وطوحت به الأيام حتى طاف بآفاق أسيوية عدة، ثم عاد إلى بلاد الأتراك العثمانيين واشتغل في ديون إنشائهم، وأتقن عدة لغات، ومهر في جملة علوم. واعتزل العمل بأخرة، وعاد إلى وطنه. ويمم شطر حلب، وزار في عهد سلطانه جقمق العلائي وقال السخاوي إنه لقيه بها عام ٨٥٠هـ. وقد لبث بمصر حتى وافاه أجله عام ٨٥٤هـ ودفن بالخانقاه الصاحية.
نعود بعد هذا إلى كتابه (فاكهة الخلفاء). فهو مؤلف قصصي بديع، اجتمعت فيه الأمثال واكتنزت به الحكم وتجلت لبه ضروب الدهاء والحيل، وغير ذلك من عدالة وصدق وأخلاق إنسانية، لا بأسلوب فج جامد خشن صريح، ولكن بأسلوب قصصي جذاب ممتع فيه خيال وتصوير، فروي على ألسنة الحيوان مما يمشي على أربع، ومما يطير بجناحين، ومما يزحف على بطنه، فهو إذاً غير مبتكر لهذا الضرب من القص، فقد سبقه به في