للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متى، متى ستكفين عن تعذيبي؟ متى. . . متى - أواه، يا إلهي؟. . .

كانت ثورة نفسه لا تحتمل. وعادت به الذاكرة فجأة إلى الليلة التي هربت فيها. تلك الليلة التي ظل يبحث عنها طويلاً وهو يخشى أن تكون قد ألقت بنفسها في النهر. .

- تكلمي! ووضع يده على ذقنها، فلم تقاوم، ورفع وجهها. وطغى على نفسه شعور من الشفقة، فقال لها - لماذا أنت هكذا؟ وابتدأت شفتاها ترتعشان، وارتفع كتفاها، وتمتمت بكلمات تعذر عليه سماعها فسألها - ماذا تقولين؟ فأجابت - لا شيء.

وفجأة تغير كل شيء، فقال. . . لا شيء! حقاً؟ إذن لماذا؟ لماذا؟ ألا تخبرينني بالله لماذا؟ ما الذي تقصدينه بما حدث في الصباح؟ وما الذي فعلته بالطفلة؟ لقد كنت عازمة على ذلك منذ الصباح.

وهزها وهو يصيح بعد أن عصف به غضبه، وقد كان يظن أنه ملك زمامه. إن هذه الانفجارات، وهذه التأسفات: هذا التحول من الشفقة والحنان إلى القسوة والشراسة تلتي تصحب دائماً مشاجراتهما، كانت كأنها تمثيل مرحي. وكم كانت تهده هداً وتستنفد قواه. ها هو ذا قد جرح شعورها، فهبت واقفة، تبتعد عنه وهي تصيح (أيها الوحش!).

وصاح صوت من أعلى الدرج قائلاً - أن الطفلة معنا. لا داعي للقلق. سنعطيها غذاءها.

ولم يجب في الحال على الرغم من شعوره بالطمأنينة. إن فكرة وجود جيرانه واقفين بأعلى الدرج يستمعون ويراقبون.

هدأت من غضبه. قالوا - ألا تسمع؟

فصاح - لقد سمعت. . . شكراً!

وبحركة آلية التقط مظلته وهو يتمتم قائلاً - (لقد عيل صبري، عيل صبري!) فالتفتت إليه زوجه بوجه متقلص وعينين جامدتين وقالت في صوت مختنق ورأسها يهتز (عيل صبرك، عيل صبرك، ممن؟) وكأنه قد عزم على الصمت، فظل ساكناً لا يفوه بكلمة.

- حسن، أني في انتظار ردك.

فقال - لقد سئمت الشجار.

- هل هذا كل شيء.

- نعم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>