قلنا أن تثبيت الحوادث وبقاءها وترتيبها حسب الزمن واستدعاءها عند اللزوم في ذاكرته كل ذلك إنما يكون بطريقة بدائية غير مكتملة، وذكرنا الأسباب المؤدية لذلك. وهنالك عاملان يؤديان إلى ضعف ذاكرة الطفل وهما:(١) النسيان. و (٢) تشويه الذكريات وتبديلها في ذاكرته.
١ - النسيان: يحدث عند الكبار لعدة أسباب: منها (الفسيولوجية) بمعنى أن يعتري الذاكرة نوع من (التأكسد) وعدم القابلية للاستيعاب بسبب التعب الجسمي أو العقلي. وهنالك أسباب (سيكولوجية) كالصدمات النفسية العنيفة التي تحدث في النفس نوعاً من القبض فينشل التفكير ويغيض معين الذاكرة. وأسباب (باثولوجية) كما يحدث في بعض الأمراض العقلية كالذهان والعصاب، أو بعد نوبة الصرع، أو لأمراض معدية أو وبائية كالحمى التيفودية والالتهاب السحائي، كل هذه الأمراض تسبب ضعفاً في الذاكرة ينتج منه النسيان.
كل ما ذكرنا من أسباب إنما هي شخصية تعتري الشخص نفسه فتسبب له النسيان. وهنالك أسباب أخر خاصة بالأشياء تتصف بها تلك الأشياء فتسبب أو تساعد على نسيانها. مثال ذلك تفاهة الأشياء والأثر الضعيف الذي تتركه في الذاكرة فلا يلبث أن يزول وتختفي معالمه. ومنها كون الأشياء بغيضة على النفس غير محببة لها فتلفظها لفظ النواة وتسقطها من حسابها.
أما عند الطفل فأكبر سبب للنسيان ناشئ عن انحطاط درجة تفكيره الذي يشمل الذاكرة أيضاً ولأن إدراكه للأشياء خاطئ وقد سبق أن شرحنا ذلك وبينا الأسباب المؤدية للنسيان عند الكبار.
٢ - تشويه الحوادث وتبديلها في ذاكرة الطفل: تأخذ الحوادث والأشياء صورة ممسوخة مشوهة في ذاكرة الطفل وهو يعتقد بصحتها، كما أنه من الصعب بل المتعذر في كثير من الأحيان الوصول إلى تغيير هذا الوضع الخاطئ في ذاكرته.
ولنضرب لهذا مثلاً وهو إذا روينا قصة لطفل ورجوناه بعد قليل من الوقت أن يروي لنا ما سمع أو يقصها على طفل آخر ورجونا هذا الأخير أن يقصها على طفل ثالث تبين لنا في النهاية أن القصة الأولى قد مسخت وكادت معالمها أن تزول؛ وذلك أن كل طفل يزيد عليها