الحالة بأن الطفل مسحة شاعرية لأن الشاعر مثل هذه المواقف وبعد أن يكد خياله ويتذوق ما في المشهد من جمال وروعة لا يقول أكثر مما قاله الطفل بأن الورد قد أحمر خجلاً أو بكى حزناً، أو أن الزهور تتطاير فرحاً أو هلعاً، وكل ما هنالك من فرق هو أن الشاعر يحلم ويتذوق والطفل يجزم ويجسد ما يقع تحت ناظره ويرتسم على خياله.
يقول الفيلسوف (أوجست كمت) مؤسس مذهب الإيجابية بأن الخيال يمر بثلاثة أطوار:
الطور الأول: هو الطور الديني فقد تخيل الإنسان الأول فكرة الدين والآلهة، وهي فكرة مرماها الفسيولوجية، والسيكولوجي هو ملاءمة الإنسان لبيئته وأمله في الخلود تتجلى فيها ظاهرتا الإخضاع والخضوع بصورة جلية واضحة. يخضع للآلهة ويتقرب إليها حتى إذا ما فاز منها بالخطوة والرضا استعمل بدوره تلك الخطوة وذلك الرضا في إخضاع بيئته من طبيعية واجتماعية وأصبح أقوى نفساً وأشد مراساً في حربه الدائمة السرمدية مع تلك البيئة.
ذكرنا أيضاً في المقال السابق بأن (الحيوية) هي من مميزات عقلية الطفل يشاركه الإنسان الأول في هذه الصفة إذ كان يعير الأصنام والجمادات شيئاً من الحيوية والإرادة والتفكير ومن هنا كان يخشى بأسها ويرتجي معونتها. كذلك الطفل في سنه المبكرة يرى في بعض الجمادات حياة وإرادة، فأنظر إليه يناجي لعبته ويناغيها حيناً، ثم لا يلبث أن تتغلب عليه صفة القلق السريع والتحول المفاجئ فينبذها ويقصيها. وقد تتغلب عليه غريزة (الإخضاع) والسيطرة وحب الذات إذا لم تسر على هواه أو تتكيف على صورة خاصة كما لو كانت ذات وعي وإرادة.
الطور الثاني: هو أن الطور (الرومانتيكي) والوهمي يظهر فيه الطفل تقدماً محسوساً، فبعد أن كان في الطور الأول يعتقد في حيوية بعض الجمادات من أدوات لعبه تتضح له ماهيتها الحقيقية، ولكنه في هذا الطور يلجأ إلى (الغرض) ويستعمل (المجاز) فيتخيل مجازاً بأن لعبته كائن حي لأن في ذلك لذة شاعرية نفسانية وهذا الغرض نفسه إنما ينتج عن (الوعي). ويمكننا أن نعتبر هذا الطور بداية الشاعرية والخيال الحقيقي. كذلك بعد أن كان الطفل في الطور الأول يعتقدون في وجود (بابا نويل) ولا يرتابون في أمره وبأنه هو الذي يهبط من السماء في صبيحة رأس السنة الميلادية وعيدها ويأتيهم بالهدايا والتحف يبدءون