الأهرام وأبي الهول، وإذا كنت لا أستسيغ بعض أخيلة شوقي هنا: كتصوير الجزيرة عرساً:
قدها النيل فاستحت فتوارث ... منه بالجسر بين عرى ولبس
أو تشبيه الأهرام بميران فرعون.
أو قناطيره، تأنق فيها ... ألف جاب وألف صاحب مكس
فإن حديثه عن أبي الهول حديث معجب حقاً، يبعث في النفس تعظيم الأثر، ومقيمي الأثر.
ورهين الرمال أفطس إلا ... أنه صنع جنة غير فطس
تتجلى حقيقة الناس فيه ... سبع الخلق في أسارير إنسي
ثم يقف شوقي مستلهماً العظمة من حوادث الأيام، فيرى دولاً تقوم، وأخرى تسقط، وملوكاً ينهضون بالملك ثم لا تلبث شمسهم أن تتوارى. وهنا ينتقل انتقالاً طبيعياً إلى حديث إلى الحديث عن دولة العرب في الأندلس، فيقف عند آثارهم الأكاسرة يستلهمها، وهنا يبدو تأثير البحتري واضحاً في شوقي، فقد وصف البحتري ما رأى بعينه، وصور له الخيال ماضي تلك الآثار، فرسم ما تخيل، ووازن بين الماضي والحاضر، وكانت تلك الموازنة مصدر التأسي والاعتبار، وعلى هذا النسق سار شوقي في قصيدته الأندلسية.
راع البحتري ما رأى من خالد الأثر، فأنطلق يعلن إعجابه، معترفاً بأن تلك الآثار الجليلة لا يمكن أن يوزن بها أطلال العرب ولا آثارهم في صحاريهم المقفرة:
حلل، لم تكن كأطلال سعدي ... في قفار من البسابس ملس
ومساع لولا المحاباة مني ... لم تطقها مسعاة عنس وعبس
ولقد كان البحتري متفنناً مارهاً، يحاول أن ينقل إليك الأثر الذي أحس به عندما وقف أمام آثار الفرس، فيلجأ إلى التشبيه حيناً، والى تصوير ما رآه حيناً آخر، والى الخيال يكمل به الصورة، حتى تصبح واضحة مؤثرة: فهذا الجرماز - قد صار مقفراً مهجوراً، يوحي إلى النفس بالوحشة التي تملؤها عند رؤية القبور، وإن في هذا القصر من العجائب ما يدل على عظمة منشئيه، ومن بن ذلك صورة تسجيل معركة حربية دارت بين الروم والفرس عند مدينة أنطاكية، وقد وقف الشاعر أمام هذه الصورة مذهولاً لما فيها من الدقة والإحكام؛ فهذا أنوشروان يقود الجيش، مدفوعاً إلى القتال بهذا العلم المنصوب، ويحفز الهمم ويحث