وطلبوا إليهالتسليم أو يتعرض لغضب الشياطين وأذاهم، وكانت أعصابه مهيئة للتسليم فسكت، واستمروا يتحدثون. وأحس رعدة خفيفة تتمشى في جسده فسحب رجليه في هدوء فدفنهما في أطراف ثيابه، وجمع يديه في حجره ومال إلى المحدث يستمع إليه هادئاً منصتاً في شبه إيمان. لقد حطمت هذه الليلة الصاخبة أعصابه، وهاجت وساوس نفسه المريضة.
وانتهت السهرة ولكن صاحبنا ظل جامداً في مكانه لم يهم بالقيام حتى دعوه، فنهض كسلاً متراخياً يكاد يسقط من إعياء.
وشيعوه إلى دار أخته، وهو سارٍ بينهم يتعثر في أوهامه. . ووجد أهل البيت نياماً فلم يبق ساهراً إلا مصباح ضئيل موقد في الردهة يرقص لهبه على عزيف الهواء وكان يعلم أنهم أعدوا له غرفة في الطبقة الثانية فصعد في السلم بطيئاً متثاقلاً يتلفت بين الخطا والمصباح في يمينه، ودفع باب الغرفة بيسراه فسمع صوتاً يشبه أنين المستصرخ، فأدار ظهره في فزع ليرى من هناك ولكنه لم يجد شيئاً، وعاد يدفع الباب فسمع حشرجة خشنة، ثم سمع ضحكة بشرية ناعمة. .!
ووقف في وسط الغرفة يقلب بصره بين زواياها في رعب وفزع، وكانت به رغبة في التدخين، ولكنه لم يجرؤ أن يذهب إلى الغرفة الثانية - حيث أودع حقيبته - ليستحضر بعض التبغ. وخلع نعليه وهو جالس على حافة السرير ويداه ترتعشان، وتتجاوب في أذنه أصوات غريبة تفزعه وتسلبه الطمأنينة. ودفن نفسه في الفراش، واستلقى على ظهره وقلبه يدق دقات عنيفة، وكأن يداً غليظة تقبض على عنقه، وأشباحاً خفية تطيف به.
وكان يعلم أنه ليس فوق السطح غير أكداس من الحطب والوقود، ولكنه أحس دبيب أقدام، وسمع أصوات غريبة هامسة ليست من صوت البشر! أتراه أغضب الشياطين فأرسلوا إليهعفريتاً ينتقم منه؟
وضاقت أنفاسه، واضطرب فكره، واشتد ضغط الوهم على صدره، وهم أن يصرخ ويستنصر، ولكن صوته احتبس ولم يتحرك لسانه. وشبه له أنه يرى شبحاً من الضباب في شكل غير إنساني - وإن كان يمشي على رجلين - ينسل من النافذة مع ضوء القمر، ويشير إليهبالصمت في إنذار وتهديد!. . وسحب الغطاء يخفي عينيه في حركة آلية، ولكنه أحس شيئاً بارداً يلمس أطراف قدميه، فاستوى جالساً وأفلتت منه صرخة مكتومة. وتوارت