أيدكم الله بعز الصبر، ووليكم بالحياطة والنصر).
فأنت تراه قد أثار وجدانهم، بما عرضه عليهم من الأفكار ليدفعهم إلى الجهاد.
وكما في الآيات القرآنية التي ترمي إلى تحريك الإرادة مثل قوله سبحانه: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وكقول الشاعر:
دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألفوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسب المجد ثمراً أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وأكثر ما يحرك الأدب الإرادة من غير أن يأمرها بذلك، كما في الروايات التمثيلية الخلقية والاجتماعية، وكما في كثير من الشعر، وربما كان هذا هو ما حدا الأقدمين إلى أن يوصوا أولادهم بحفظه ودراسته؛ بل ربما كان هو المعنى الذي لحظوه عندما وضعوا لهذا اللون من القول الجميل اسم الأدب. قال معاوية لأبنه: (يا بني، ارو الشعر وتخلق به، فلقد هممت يوم صفين بالفرار مرات فما ردني عن ذلك إلا قول ابن الإطنابة:
أبت لي همتي، وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحسدي أو تسبريحي
لأدفع عن مكارم صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيح
وأنت ترى الشعر نفسه لا يطلب إقداماً، ولا يحث على ثبات، ولكنه حديث عن هذا النزاع الذي دار بنفس قائله، وهو في ميدان القتال، وكيف استطاع أن يثبت في هذا الميدان، يحمله على الثبات ماض مليء بالجهاد، وهمة تأبى النقيصة، وقلب موكل باكتساب المجد، ونفس اعتادت الإقدام على المكاره، وضرب هامات الأبطال دفاعاً عن مآثره، وحماية لعرضه. وليس في الشعر سوى هذا، ولكن معاوية رأى في صاحبه بطلاً جديراً بالإقتداء.
وبما قدمناه يتبين أن هذا الخلاف على أن الإصلاح الاجتماعي من أهداف الأدب خلاف ظاهري، يزيله تحديد معنى الأدب، وتحديد مجاله، أما وقد قلنا: إن كل ما في الحياة يصلح أن يكون موضوعاً للأديب؛ على أن يتناول من ناحية إحساس الأديب بما فيه من جمال أو