للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعض كرام الناس. لم تكن تخطر ببالهم، من لطف الله بهم، تلك المباءات العفنة بجسم المجتمع المريض.

قالت المرأة الثكلى لزوجها: حاج إبراهيم! السيدة زينب غضبت علينا لتأخيرنا وفاء نذرها.

ونذروا للسيدة نذراً آخر، لكن يظهر أن السيدةزينب لم تكن راغبة في نذرهم الثاني. . . لو كانت السيدة زينب تملك من أمور دنيانا شيئاً لكانت غيرت منها الشيء الكثير، ولو كانت تغضب من الناس حقاً لما أغضبها إلا هذا الاعتقاد العجيب، والقول بأنها من أجل ذلك السبب التافه تلجأ لمثل هذا الانتقام الفظيع.

واستيقظت الطفلة في اليوم التالي، وجلست تفرك عينيها وتنظر حولها مشدوهة. قالت (أين أبي؟!) قالوا لها صح النوم!. جاء وأنت نائمة، ولما لم تستيقظي قال أبقوها هنا تتعلم وتتمدن، وسأحضر من البلد لأراها من حين لحين، وكانت لا تزال تحس ثقلاً برأسها، فعادت إلى نومها العميق المريب تتخلله مباهج ولذائذ عجيبة.

وأخيراً زال عنها الخدر والنعاس، وأفاقت إلى الوحشة الموجعة، والريبة في المكان والسكان كما يفيق الذي أجريت له جراحة على آلام الجرح الكبير. فعولجت في الحال بمزيج مناسب من الإبهام والإغراء والإرهاب. قيلت لها مختلف الأكاذيب، وجيء لها بلذيذ المأكولات وبهيج الملموسات، أما انتفاضاتها ومحاولاتها الإفلات فقمعت في الحال بعقوبات رهيبة حتى استسلمت للذي ليس منه بد.

كانت تبكي أهلها سراً عندما تخلو لنفسها ثم أخذت تسلو شيئاً فشيئاً، وتنسى قليلاً قليلا، ثم اعتادت ما يحيط بها، ثم أخلدت إليه، ثم ألفته، ثم لم تعد ترى الحياة إلا سهر الليل ونوم النهار وأحاديث الدنس ومشاهده وكل ما يتعلق بصناعته.

تخرجت سعدية في معهد الشيطان، فلما اكتملت أنوثتها واستوت لم تكن بحاجة إلى إغواء وكانت هي المغوية.

لم تعد تبكي أهلها. بل لم تعد تذكر منهم إلا ظلالا حائلة طافت بناظريها أيام الصغر، ومشاهد القرية والدار والحقل صارت أطياف أحلام لا تخطر لها إلا في منام. إنها اليوم امرأة حضرية تجيد التزين والمشي في الطرقات بخطوة ونظرة وبسمة يتهاوى لها كثير من الرجال. حياتها سهر وخمر ولهو وعبث ونقود كثيرة تأتي وتذهب، ورجال كثيرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>