للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجيئون ويمضون. متعة متصلة فيما يبدو، لكن آه كم هي مملة ومضنية. أين هي من خفقة حب حقيقية، وخلجة حنان طبيعية. إنها متعة الجسد وحده والروح في حرمان، وما أتعسها متعة.

ثم آه من صناعة كل عدتها رواء الشباب، وكل يوم يمر يحدث في السدة ثلمة ليس لها التئام. كل الصناعات يزداد صاحبها على مر الأيام قدراً إلا هذه الصناعة فلا تزيد الأيام صاحبها إلا رخصاً.

إن سعدية كانت ولدت لتكون امرأة قروية تتزوج رجلاً قروياً وتلد له بنين وبنات وتمشي إلى الحقل حافية في أثواب بسيطة سوداء وتأكل الخبز المقدد وتافه الأدام. حياة شظف وخشونة، لكن آه! إن فيها قلبين يتجاوبان، ونعمى الأمومة لا تعدلها نعماء.

أي الحياتين أفضل؟!. . لكن ما جدوى المفاضلة بينهما؟. وهل كان لسعدية في أمرها أي اختيار؟. . إن الذي هي فيه قد أريد لها وكان.

نعم لا أحد يمنعها الآن أن تخلع زينتها، وتغسل أصباغها، وترمي عنها أثوابها الفاضحة، وتخرج تائبة منيبة وتتزوج رجلا إن وجد، أو تقضي بقية العمر متبتلة طهوراً عاملة لكسب عيشها بعرق الجبين. لكن الذي يستطيع أن يخلق نفسه هكذا خلقاً جديداً لا يكون إلا ملاكاً أو قديساً، وسعدية لم تكن ملاكا ولا قديسة بل كانت امرأة عادية كغيرها من ملايين النساء.

هذه الخواطر كانت تطوف بنفس سعدية في بعض الأحيان فلا تلبث أن تنفضها كلها عنها بهزة كتف وتنصرف إلى شيء آخر وهي أن تلوك بشدقيها مضغة اللاذن.

وذات يوم وهي تتخطر في الطريق رأت رجلين قرويين أحدهما يكبرها بسنتين ويصغرها الآخر بمثلهما، ومعهما قروي عجوز مهدم وقروية عجوز لا تكاد تبصر. لم تكفها منهم كغيرهم من الناس نظرة عابرة بل علقت بهم عيناها لا تستطيعان عنهم حولا. ودارت بهما الدنيا وهي تهوي بذاكرتها عبر السنين إلى أعماق الماضي البعيد وتبعتهم عن كثب وقلبها يكاد يتوقف عن الخفقان.

ورأتهم يدخلون ضريح السيدة زينب. لقد عادوا يتوسلون إليها كي تعود إليهم ابنتهم المفقودة. وماذا تصنع السيدة زينب فيما أقيم فيه العباد؟ إن الله ربها وربهم لا يغير شيئاً بهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>