يهاجمها، وجاءت طائفة من فرنج الرها تغير عليها، فاستقبلهم عامل حلب وهزم الأولين، وأباد الآخرين. وأراد عماد الدين أن يثأر من عدوه، فانقض بجنده على اللاذقية وأثخن في الفرنج قتلا، وأسر منهم سبعة آلاف أسير، وكانت الغنائم أكثر من أن تحصر، وأخذت الروح المعنوية تقوى عند المسلمين، بينا دب الوهن والخوف إلى نفس أعدائهم، فلم يثأروا لأنفسهم، ومضى زنكي يكيل لهم الضربات المتلاحقة، ويأخذ منهم القلاع والحصون، ويسترد المدن والقرى، ويمنح أهلها الأمان والسلام حتى ضج الفرنج، وأرسلوا إلى ملك القسطنطينية يستصرخون به، ويحرضنه على أن يصل لينقذ البلاد قبل أن تملك، فأقبل على عجل، ثم مضى إلى حلب يريد أن يستولي عليها فلم يجد فيها مطمعاً، فذهب إلى قلعة شيرز، ولم تكن خاضعة لزنكي، يريد أن يجعلها قاعدة يشن منها هجومه. ولعل ملك الروم ظنها سهلة المنال، وأن العدو اللدود زنكي لا يعني بأمرها فحاصرها، ونصب عليها سبعة عشر منجنيقاً، ولكن صاحبها أرسل يستنجد بعماد الدين فجاء إليه مسرعاً بجيشه؛ غير أن ملك الروم كان قد جمع من الجند عدداً ضخماً؛ فرأى العماد أن يستخدم الحيلة في هزيمته؛ فكان يسير كل يوم إلى شيزر هو وجنده، ويقفون بحيث يراهم الروم، ويرسل سرايا تأخذ من ظفرت به منهم، ثم إنه أرسل إلى ملك الروم يقول له: إنكم قد تحصنتم مني بهذه الجبال فانزلوا منها إلى الصحراء حتى نلتقي، فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم، وإن ظفرتم بي استرحتم، وأخذتم شيزر وغيرها. فأشار فرنج الشام على ملك الروم بلقائه، فلم يفعل، وقال: أتظنون أن ليس له من الجند إلا ما تريدون؟ إنما هو يريد أن تلقوه فيجيئه من نجدات المسلمين مالا حد له. وكان زنكي يرسل إلى ملك الروم يوهمه أن قلوب الفرنج متغيرة عليه وأنهم سينفضون من حوله إن هو أقبل على الحرب، ويرسل إلى الفرنج يخوفهم من ملك الروم، ويقول لهم: إن ملك بالشام حصناً واحداً ملك بلادكم جميعاً. فخاف كل من صاحبه، ورحل ملك الروم عن شيزر وترك المجانيق وآلات الحصار بحالها؛ فتبع زنكي جند عدوه وظفر بالكثير منهم، ووقع في يده جميع ما تركه الفرنج غنيمة باردة، وقد بهر هذا النجاح شعب عماد الدين وخلده الشعراء في قصائدهم.
وكان أعظم ما قام به عماد الدين، أنه حطم إمارة كاملة من إمارات الصليبيين، تلك إمارة الرها، ففي جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة سقطت المدينة في يده بعد أن