العام، ومنها ما هو في تراجم الأعلام، ومنها ما هو في الخطط والآثار، إلى غير ذلك. ويرى المطالع في مستطرداتها، طرائف جمة معجبة مطربة، في نظم البلاد وإدارتها وآدابها وتقاليدها ومزاج أهلها وروح مجتمعها. وتوالوا على هذا الغرار زمراً بعد زمر، وجيلا إثر جيل. وقد كان من نصيب القرن الثامن الهجري أن لمع فيه نجم الصلاح الصفدي مؤرخاً، فضلا عن لمعانه أديباً وناقداً.
ولد الصفدي بصفد عام ٦٩٧هـ. وشرع منذ حداثته يتعلم صناعة الخط حتى مهر فيها. ومال إلى الأدب وسماع الحديث. ونبه في الكتابة والنظم. وأخذ يطوف في طلب العلم بين آفاق مصر والشام، حتى برز بروزاً واضحاً بين أدباء البلدان ونهج من دونهم منهجه الخاص الذي أشرنا إلى طرف منه. وراسل وساجل وداعب وعقد لواء المحبة والصداقة بينه وبين كثيرين من أفذاذ جيله. واشتغل بالتأليف وجمع الأدب وبخاصة آثار معاصريه. وولى عدة مناصب منها: كتابة السر بحلب، وتصدى للتدريس بجامع دمشق في أخريات حياته، وتوفى بها عام ٧٦٤هـ.
وتنقسم مؤلفات الصفدي إلى نوعين: ١ - مؤلفات أدبية ٢ - مؤلفات تاريخية. وفي الحق أن من الصعب أن نفرق بين النوعين؛ ولك لأن كتبه الأدبية - وإن كانت فياضة بصنوف الشعر والنر والنقد، يروى فيها ويقرن وينقد وينوع ما شاءت له مجموعاته الفريدة - لم تخلص لوجه الأدب، بل تتخللها السير والأخبار، ويملؤها ذكر الحوادث وقص الوقائع. وكتبه التاريخية - وإن كانت في صلب التاريخ وذكر حوادث الرجال وسرد أنبائهم - لم تخلص لوجه التاريخ، بل يتخللها الكثير من الشعر والنثر. فهي مدد عظيم للأدب، كما أنها معين فياض للتاريخ.
وكتبه التاريخية كلها في تراجم الرجال. وهذا يدلنا على تأصل الروح الأدبية فيه، لأن كتب التراجم تمت - عادة - إلى الأدب بصلة قوية كما تمتُّ للتاريخ. ولولا أن تراجمه تحتوي على سير الملوك والأمراء والقادة ومن لف لفهم من أهل السياسة والإدارة والحل والربط، لعددناها من الكتب الأدبية الخالصة. فهي بلا ريب منهل عذب لتاريخ الأدب ورجاله - وليس معنى ذلك أن الرجل بعيد عن ميدان التاريخ الصراح. لا! بل إننا لنشعر شعوراً قوياً - كلما تصفحنا مؤلفاته - بأصالة النزعة التاريخية فيه.