من أجزاء كتابه (الوافي) جعلها على حدة وسماها (أعيان العصر وأعوان النصر) وهو مؤلف ممتع جداً، ترجم فيه الصفدي لمئات من أهل عصره سواء منهم من لقيه ومن لم يلقه. وأودع تراجمهم نصوصاً من أشعارهم أو نثارهم، ندر أن تجدها في سواه. فهو - في نظرنا - أهم كتب التراجم لأعلام النصف الأول من القرن الثامن وإذا علمنا أن ابن حجر العسقلاني ألف كتابه القيم (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) في أربعة أجزاء، وأن مؤلَّف الصفدي (أعيان العصر) ثلاثة أمثاله، بأن لنا قدره وعظيم أهميته. وأجزاء هذا الكتاب، لا تزال مغتربة عن وطنها، وفي دار الكتب المصرية منه ثلاثة أجزاءهي الثالث والسادس والسابع يقع كل منها في مجلدين. وهي مصورة تصويراً شمسياً عن نسخة مخطوطة.
ومن أمتع كتبه التاريخية كتاب (نكت الهميان في نكت العميان). وهو مطبوع وذو موضوع طريف، وهو الحديث عن العميان وبيان أحوالهم شخصية وغير شخصية، وشرعية وغير شرعية، وما يدور حولهم من نوادر وفكاهات وحوادث أدبية طريفة، وترجمة النابهين منهم. ويحتوي الكتاب على عشر مقدمات ونتيجة واحدة. وفي المقدمات المذكورة جملة بحوث نافعة في فنون العربية المختلفة وتعتبر المقدمة الأولى ذات قيمة في فقه اللغة إذ بحث فيها عن مادة (العين والميم) وما يتصل بها من الحروف، وما تدل عليه من المعاني، ورأى أن هذه المادة مهما اتصل بها من الحروف تدل على التستر أو نحوه. وبحث عن مادة (أعمى). وتكلم عن تفضيل السمع على البصر أو العكس وفسر قوله تعالى:(عبس وتولى أن جاءه الأعمى)، وقوله (وما يستوي الأعمى والبصير). وتعرض للحديث الشريف الخاص بقصة الأقرع والأبرص والأعمى، الذين آتاهم الله ما يريدون، فلم يشكره منهم إلا الأعمى. وتحدث عن بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالعميان كالإمامة في الصلاة، ووجوب الجمعة إلى غير ذلك.
أما النتيجة فهي في صلب التاريخ إذ ترجم فيها لنحو ثلثمائة وخمسين كفيفاً، سواء منهم من ولد أعمى، ومن كف بصره بعد ولادته. وأورد في كل ترجمة الحوادث البارزة في تاريخ صاحبها وشيئاً من شعره أو نثره إذا كان أدبياً وهكذا.
ولهذا المؤلف خصوصيات نافعة فمنها أن فيه تراجم لأعلام معاصرة الصفدي وأنه جرى