فقد كانت مفاجأة سعيدة، حين تفضل مؤلف هذا الكتاب النفيس فعهد إلى بتقديمه، ولم يكن عمر التعارف بيننا يزيد على دقائق معدودة، كانت كافية للتآلف. ولا غرو في ذلك فإن الأرواح جنود مجنددة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
وهكذا أغنت اللحظات القليلة عن العشرة الطويلة، وكانت - على قصرها - كافية لانسجام روحينا، فخيل إلينا أننا تعارفنا منذ النشأة الأولى وكان من ثمرات هذا اللقاء العارض أن مرفق شغفت المؤلف بالبحث والاطلاع، وعنايته بتتبع آثار (ابن النديم) صاحب الفهرست والترجمة له في مجلة المجتمع العلمي العربي. وتوفره على درس الدعوة الإسماعيلية في رسائل إخوان الصفا وإقباله على كتابة فصول النقد وأعمال البنوك في كتاب: النظام الاقتصادي في فلسطين.
وكتابه: التطور الاجتماعي والاقتصادي لفلسطين العربية
وهكذا رأيت مؤلفنا ينتقل في بحوثه النافعة، من عالم الاقتصاد إلى عالم الأدب، كما ينتقل في حياته اليومية بين بنك الأمة العربية ومكتبته الضخمة الحافلة بألوان الثقافة والأدب، فيذكرنا قول ابن المقفع:
(أمران يحتاج إليهما من يحتاج إلى الحياة: المال والأدب)
ولا ريب أن الأمم - كالأفراد - لا غنى لها عن بناء نهضتها على أساس متين، يرتفع بناؤه على هاتين الدعامتين.
- ٧ -
وكان من ثمرات هذا اللقاء السعيد أن أتاح لي الظفر بقراءة هذه الخلاصة الممتعة التي تأنق مؤلفها في عرض تاريخ الحضارة الإنسانية عرضاً تصويرياً أخاذاً، يخيل إلى قارئه أنه يشهد شريطاً من أبدع ما أخرجته السيمى في العصر الحديث.
وقد علم القارئ مما أسلفت أنني لم أكد أقلب صفحات كتابه حتى رأيت ما تفتحت نفسي له، وشجعني على البدء بقراءته من أوله، فلم تنته الجلسة حتى أتممته، وأنا شديد الأسف على