انتهائه، وبودي لو امتد هذا السفر التاريخي الحافل في أضعاف صفحاته، ليؤدي إلى رواد الثقافة أضعاف فائدته، ويحقق لهم الكثير مما تتوق إليه نفوسهم الظامئة إلى أمثال هذه البحوث، التي وفق أصحابها إلى جمع أشتات المعارف، وأحسنوا عرضها، بعد أن أحسنوا استيعابها وفهمها.
- ٨ -
وازدحمت الخواطر في ذهني - كما أسلفت - وتواثبت التعليقات، كلما انتقلت من صفحة إلى صفحة، وخشيت أن أعاود قراءة الكتاب مرة أخرى فيضطرني ذلك إلى الوقوف عند كل فكرة طريفة - وما أكثر ما يحويه من طريف الأفكار - وربما اقتضاني ذلك أن أتوسع في الشرح والتعليق فتصبح مقدمة الكتاب أضعاف حجمه.
ورأيت أن مؤلف الكتاب كان قادراً على الاضطلاع بمفرده بهذا العبء الثقافي التوجيهي كله، لو أمكنته فسحة من وقته المزدحم بما ينوء به من شواغل الأعمال، وما يضطلع به من تبعات ثقال ولكنها الظروف القاهرة، أعجلت المؤلف كما أعجلتني ولعله قصد إلى الإيجاز فصداً ليحقق لقارئه في صفحات قليلة ما تستوعبه المطولات المستفيدة، وهو غرض نبيل، والحاجة إلى المختصرات مطلب جليل، لا يقل عن الحاجة إلى المطولات. وربما زاد عليها في بدء عصور النهضات، لترغيب الزاهدين في القراءة، وتعبيد ما توعر من طرائقها أمامهم.
وحسناً صنع المؤلف حين عني بتوجيه قارئه إلى أمهات الكتب ليحبب إليه البحث، بعد أن عني بتوجيهه وإرشاده وفتح آفاق جديدة له.
وأما أجدر المؤلفين بالأخذ بهذا المنهج، فهو من الأهداف النافعة، يتوخاها طالبو الإصلاح في مستهل النهضات، تستقبلها الأمم التي طال عهدها بالنوم، وآن لها أن تنفض عنها غبار الخمول
- ٩ -
أكرر القول: إنني وجدت في كل صفحة من صفحات الكتاب بابا للمناقشة وجمالا للاخذ والرد والتعليق، ومثاراً للخلاف حينا، والموافقة أحياناً.