للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العزائم، وتشتد الهمم، وإن وجده صدقا لحن له به، ولم يخبر به الناس، لئلا تكون الأسرار العسكرية حديث المجالس، وأسمار السمار.

وأحس بالأمر المنافقون، وما تخلو أمة من (منافقين. . .) ومن دعاة الشر وبغاة الهزيمة، فأعلنوا ما كان مضمرا، و (زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنون، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، ويستأذن فريق منهم النبي يقولون أن بيوتنا عورة، وما هي بعورة، أن يريدون إلا فرارا). واجتمع على المسلمين العدو القوي والبرد والجوع وخيانة الحليف وتثبيط المنافق، فقضى رسول الله على (الانقسام الداخلي) وصبر على الحصار، ثم صمد الهجوم، واستعمل كل سلاح، فحفر الخندق، وحارب بالسيف وحارب بالحيلة، فكان الظافر بالحرب الدفاعية، وفي الحرب الهجومية. وفي حرب السياسة، وفي حرب الأعصاب. وكان له النصر المؤزر.

واذكروا بعد ذلك كم جزنا من امتحان، وكم نجونا من خطوب. يوم كر علينا الشرق كله بهمجيته وكثرته وقسوته جيوش التتر يقودها الكلب الكلب: هولاكو. فمرت كالسيل الحاطم، فاجتاحت دول الإسلام (وما كان ينبغي أن يكون للإسلام إلا دولة واحدة)؛ حتى إذا عبثت بالخلافة، وداست بغداد، وفعلت في دنيا المسلمين الأفاعيل، ولم تبق منها إلا ولايات متباعدات ضعيفات. وقف لها شيخ واحد. شيخ لم يتخذ الدين سلما للدنيا، ولا الصلاح شبكة للمال. ولم يكن همه مشيخة يزهى بها، ولا ضياع يقتنيها، ولا سيارة يركبها. ولا وضيفة يحظى بها. لم يكن يمد يده للناس يقول قبلوها وإملأوها مالا، ولا يقول تصدقوا بأموالكم ليأخذ هو الصدقات، قد احتقر الدنيا في جنب ما عرف من نعيم الآخرة، وهان عليه أهلها ملوكهم وسوقتهم لما وقر في نفسه من عظمة الله شيخ اسمه العز بن عبد السلام.

أثار هذا الشيخ مصر، حتى انتصر جيش مصر الضعيف على جيوش التتر القوية، وحفظ الله به في عين جالوت الدين والدنيا، وأنقذ به الإسلام والحضارة. وما انتصر جيش مصر إلا بالإيمان الذي أثاره في النفوس هذا الشيخ.

واذكروا يوم كر علينا الغرب كله. يقذفنا بالجنود من كل لون. ويرمينا بالأسلحة من كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>