حرج ينفره منه أو يبغضه فيه، حتى توفي أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة، والنبي صلى الله عليه وسلم يكتفي منه بحمايته له، ولا يغيره عليه بقاؤه على شركه، بل كان يحبه حب ابن الأخ لعمه، ويتمنى لو يسلم من شدة حبه له، حتى نزل في هذا قوله تعالى - ٥٦ - من سورة القصص (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين).
وهذا صفوان بن أمية بن خلف كان من اشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ من أمره أن أرسل عمير بن وهب إلى المدينة ليغتال النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أهدر دمه في فتح مكة، لأنه عد فيها من مجرى الحرب، كالذين يعدون مجرى حرب في عصرنا الحديث، فلما فتحت مكة هرب منها إلى جدة ليركب البحر منها إلى اليمن، فأتى ابن عم له إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يؤمنه، فقال له: هو آمن. وإعطاء عمامته التي دخل فيها مكة علامة يعرف بها أمانه، فذهب إليه فأدركه قبل أن يركب البحر، واتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم منه أنه قد أمنه طلب منه أن يمهله بالخيار شهرين، فقال له: أنت بالخيار أربعة أشهر.
فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى إجابته إلى ما طلب من الإمهال على الشرك، بل كان طلبه أن يمهله شهرين فأمهله أكثر مما طلب وأعطاه مهلة أربعة اشهر! ولم يستعمل معه إلزاما أو إلحاحا أو استجداء؟ تكريما لدعوته أن تمتهن إذا ألح عليه أو استجداه، وهي اكرم من أن تعرض للامتهان والاستثقال، وإنما شانها أن تكون هي المطلوبة بعد التبليغ لمن يدرك فضلها، ويعرف شهرف ما تدعو إليه؛ ويعلم نبل ما تأمر به.
وهكذا صين الإسلام في عهده في الأول عن العرض المهين، وحفظ الداعون إليه كرامته، وضنوا به عمن لا يعرف له قدرا، ولا يدرك له فضلا، فعز وكرم على الناس، كما يعز ويكرم كل معزز مكرم، واقبلوا علي راغبين من أنفسهم، كما يقبلون على كل عزيز عند أهله، بعيد عن كل ما يدعو إلى امتهانه أو استثقاله.
وقد بلغ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم في التلطف في الدعوة أن يقول لمخالفيه فيما أمره الله به في الآية - ٢٤ - من سورة سبأ (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وأنا أو إياكم لعل هدى أو في ضلال مبين) فيلقى إليهم دعوته في هذه الصورة من