العالية حجر عثرة في سبيل فهمنا لغيرنا، وتقدير ظروفه المحيطة به؛ بل تكون معينا على أن نشاركه في حالاته، فنسر لسروره، ونتألم لآلامه، وبذلك نمتلك قلبه.
أما صاحب المزاج البارد الذي يتمثل فيه الجود والقسوة والغلظة فلا يتأثر لما ينتاب غيره من نكبات، ولا يحب أن يتفاهم مع أحد؛ فهو ينفر من الناس، والناس ينفرون منه. وهو يؤثر في غيره بالإيذاء، كما يؤثر الهواء البارد في النبات الغض الشديد الاحساس، فيتجمد قبل أن ينمو أو يترعرع.
ومن أكبر عيوب نابليون التي كان يتخلق بها شدة قسوته على النوع الإنساني، وعدم مشاركته له في شعوره، ومن ثم كانت شخصيته غير كاملة. وإننا في الوقت الذي نطالب فيه بالعدالة نطالب أيضاً بالرحمة.
ومن الحكمة إذا كنت رئيساً أن تصل بالمشاركة الوجدانية إلى تنفيذ جميع رغباتك من غير التجاء لإظهار سلطتك، وأن تفوز بطاعة مرءوسيك من غير احتماء بالقانون. ومن المهارة أن تبين لمرءوسيك أخطاءهم، ونقط ضعفهم، وتسيرهم كيف تشاء، بدون أن تحط من كرامتهم، وبدون أن تظهر لهم أنك أعلى أو أرقى منهم، ومن غير اضطرار إلى اتخاذ شدة أو عنف. إذا أمكنك الوصول إلى كل هذا كانت شخصيتك قوية، وكان تأثيرك كبيراً.
وإن قوة التأثير لا تستدعي قسوة أو غلظة، ولكنها تستدعي أن تشارك الناس في شعورهم ووجدانهم، وتتألم لما يدهمهم من حوادث الدهر، وتواسيهم فيما يلم بهم من نوائبه، وتنظر إلى حسناتهم قبل سيئاتهم، وفي صوابهم قبل خطئهم، وتقدر حسناتهم إذا أحسنوا، وتفكر في البواعث التي اضطرتهم إلى الخطأ إذا أخطأوا، وتعدل في أحكامك إذا حكمت، لا تنزع إلى جانب الظلم، ولا تميل إلى ناحية التهاون، وبهذه الوسيلة تكون قوياً، ليناً في غير ضعف، متواضعاً في غير ذلة، موفقاً في عملك محبوباً عند غيرك.
أما هؤلاء الذين يلجأون إلى الشدة والقسوة دائماً فهم ضعفاء، يشعرون بالضعف فيلجأون إلى الغلظة، ظانين أنهم بتلك الطريقة يسترون ذلك الضعف، ويكملون ذلك النقص. مثلهم مثل الكلاب، تنبح في الطرق لا في ضوء النهار، بل في ظلام الليل، كي تبحث عن فريسة تفترسها، أو خيانة تخونها، أو طعام تسرقه، هم كالكلاب تسرهم عيوب غيرهم، ويفرحون لهفوات سواهم. وأمثال هؤلاء لا شخصية لهم، فأشخاصهم مكروهة، وأسماؤهم