بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء العاشقين تباح
وإذا همو كتموا تحدث عنهمو ... عند الوشاة المدمع السفاح
وكان الشهاب يؤمن بكرامات الأولياء التي قد يكون منها أن تخضع العناصر لإرادة الصوفي، وقد قال عن ذلك في كتاب الهياكل (ص١٢). (وقد تطرب النفوس المتآلهة طرباً قدسياً، فيشرق عليها نور الحق الأول تعالى، فتخضع لها العنصريات، ولما رأيت الحديدة الحامية تتشبه بالنار بمجاورتها، وتفعل فعلها، فلا تتعجب إن أشرقت النفس، واستضاءت بنور الله تعالى، فأطاعتها الأكوان إطاعتها للقديسين).
فالشهاب - كما يبدو لي - رجل صوفي، جمع إلى ثقافته الدينية، وعقيدته الإسلامية، ثقافته بفلسفة الإغريق وحكمتهم، من غير أن يخرجه ذلك عن حدود الإسلام، ومن أجل هذا أرى صلاح الدين قد تسرع بإصدار الحكم عليه بالقتل، وأن العلماء الذين أفتوا بذلك، فتبعهم صلاح الدين - كانوا مخطئين؛ فليس ما خالف مذهب أهل السنة يعد كفراً وزندقة. ويقال: إن الملك الظاهر ندم على قتله، وانتقم من الذين أفتوا بإباحة دمه، وقبض على جماعة منهم واعتقلهم.
هذا، ولا بد أن قد كان لهذا القتل أثره في إخفات صوت الفلسفة، وخنق كل صوت لا يدين بمذهب أهل السنة.
وقد اختلف معاصروه في تقديره وفي حياته وبعد مماته؛ فهذا عبد اللطيف البغدادي يقول عندما دخل الموصل: وسمعت الناس يهرجون في حديث الشهاب السهروردي المتفلسف، ويعتقدون إنه قد فاق الأولين والآخرين، وإن تصانيفه فوق تصانيف القدماء، فهممت لقصده، ثم أدركني التوفيق، فطلبت من ابن يونس شيئاً من تصانيفه، وكان أيضاً معتقداً فيها، فوقعت على التلويحات واللمحة والمعارج، فصادفت فيها ما يدل على جهل الزمان، ووجدت لي تعاليق كثيرة لا أرتضيها، هي خير من كلام هذا الالوك.
أما سيف الدين الآمدي فيراه كثير العلم قليل العقل، ويروى أن الشهاب قال له: لا بد أن أملك الأرض، فقال الأمدي: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر. فقال الأمدي لعل هذا يكون اشتهاء العلم أو ما يناسب هذا. ولكن الامدي لم يرجع عما وقع في نفسه. وربما كان ذلك منسوباً إلى الأمدي كذباً، لأنا نستبعد ذلك على رجل مثل