للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولئن كان المثقفون في عهد التنظيمات قد حافظوا على العقلية الشرقية، فإنهم اقتبسوا الجانب الفني من الحياة الحديثة، واستطاعت قلة منهم التوفيق بين المعتقدات الإسلامية والعلم الحديث. فكانت الجمعية العلمية العثمانية (١٨٨٧ - ٩٨) المعهد الوحيد الذي كان مشغوفاً بالأفكار الغربية، إذ جمعت بين المثقفين الأتراك الذين يعرفون لغة أوربية على الأقل، وأخرجوا: (المجلة العلمية) أول نشرة تركية يستطيع المرء أن يطالع فيها أبحاثاً رائعة. وقد اتخذوا وجهة نظر فلسفية علمية، ولم يلقوا بالا إلى الجمود الديني للعلماء الرسميين (علماء الرسوم) ولسوء الحظ لم تعمر هذه الجمعية طويلاً وذهبت معها مجلتها. وباختفائها صادرت الحكومة كل الإنتاج الفكري الفلسفي. وفي نهاية عهد التنظيمات لا يكاد الباحث يعثر على أي أثر لاحتكاك الأفكار الشرقية والغربية في تركيا. ومع ذلك فأن غزو التفكير الغربي كان سائراً إلى الأمام بفضل المدرسة الأدبية التي عرفت ومجلتها

وقامت الثورة التركية الصغرى في ١٩٠٨ وأمتد لهيبها إلى النواحي السياسية، وتبع ذلك نشاط ثقافي، فأدخلت الفلسفة وعلم الأديان المقارن في دراسات كلية الآداب بجامعة اسطنبول ومهدت الحرية السياسية الطريق لحرية التعبير وأصبح في الإمكان نقد الأديان. وفي أول العهد الدستوري ترجمت كتابات وآراء بعض الماديين في القرن التاسع عشر مثل لدفيج بخنر، وارنست هيكل كما كثرت المناقشات حول آراء فولتير وروسو وباقي الانسكلوبيديين.

كان الصراع الفكري على أشده - وإن لم يكن واضحاً، واتخذ كل جانب موقفاً عدائياً تجاه الآخر. وفي وسط هذه المعركة قام الاجتماعي الفكري زيا جوك ألب بدور الوسيط بين الجماعات المتحاربة، وحاول أن يوفق بين التفكير العملي الغربي وبين التفكير الإسلامي الديني. وهو كتلميذ مخلص لدور كهيم قد ميز بين والحضارة ورأي أن تركيا ينبغي أن تقتبس من المدنية الغربية على أن تحتفظ بشخصيتها القومية. ولطالما نصح مواطنيه بالا يهملوا الإسلام وحضارته ولا يغضوا الطرف عن المدنية الغربية. ولئن كان واضحاً في إعلانه عن ضرورة الاقتباس من العلوم والفنون الحديثة، فأن كان غامضاً في مسألة الفلسفة. رأى أن يكون للأتراك فلسفة قومية لكنه لم يحدد ما يجب أن تكون عليه هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>