للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك أني ارتبت في اسم من الأسماء، التي تنشر دائماً في (محاضرات اليوم) بالأهرام، فحلت بي روح المغفور له (أرسين لوبين) وجلست في الشرفة انظر إلى الأفق البعيد وأنفث دخان السيجار لترسم خطوطه المتموجة في الفضاء سطور الشك. . . كيف أوتي صاحبنا المقدرة على أن يلقي محاضرة كل يوم والمفروض أن المحاضرة فكرة تحتاج إلى وقت لتنضج في الذهن، وتختمر قبل أن ترتجل إن لم تحبر. . .؟ إلا يمكن أن يكون في الأمر دخل لروح العصر عصر السرعة، فيكتفي بعنوان المحاضرة ليجيز نشر الاسم الكريم ولا حاجة إلى العناء بالتفكير والإلقاء؟

ثم نفذت الخطة، وهي بطبيعة الحال تختلف عن خطط سلفي (أرسين لوبين) فلست احتاج إلى جرأته الخارقة وقدرته الفائقة على سرعة الانفلات من المسدس المصوب إليه. . . والتغلب على جميع أفراد العصابة بقبضة يده. . . كل ما في الأمر أن أذهب إلى المكان المعين لإلقاء المحاضرة، فألفيه مزعوماً، كدولة إسرائيل، حذو النعل بالنعل!

ودلت تحرياتي أيضاً - وأنا لا أزال متقمصاً روح أرسين لوبين - على أن بعضهم لديه بطاقات طبعها، متضمنة إنه سيلقي محاضرة، وقد ترك في الطبع بياضاً لعنوان المحاضرة، فما عليه إلا أن يسود هذا البياض، ويرسل البطاقة إلى الصحف، لتنشر النبأ.

لا شك أن (محاضرة اليوم) في الأهرام باب نافع من حيث ما قصد منه وهو أن يكون دليلاً لطلاب ثمرات العقول والقرائح إلى مجناها في القاعات والأندية، ولكن هذا القصد شيء والواقع شيء أخر، فالزميلة الغراء تخدع بما يرسل إليها فتنشره دون نظر فيما يشتمل عليه من الأعاجيب، ولست ادري - ما دامت مقتنعة بأن فلاناً وفلاناً وفلاناً يلقون محاضرات كل يوم - لم لا تصنع لأسمائهم (أكلشيهات) بدل أن يتعب عمال المطبعة في صف حروفها كل يوم.

ومن تلك المحاضرة التي يعلن عنها - ما عدا التي لا تلقى - نوع يلقيه في المساجد أئمتها، وفي الكنائس أحبارها، وهي دروس في الوعظ تؤدي بحكم الوظيفة، وهي في ذلك كخطب الجمع أو كالدروس المدرسية، فتصور كيف تكبر المهزلة أن نشر كل مدرس في مدرسة، وكل خطيب في جامع، أنباء الدروس والخطب. .!

وللباحث الاجتماعي أو النفسي أن ينظر كيف يتهافت بعض الناس على الشهرة ولو لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>