لم يطل ليلى ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
وأنه أمدح الناس بقوله:
لمست بكفي كفه ابتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
وأنه يقول: أحسن شعر قيل في الصبر على النوائب قول دريد بن الصمة:
تقول ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر
وأنه لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وكان يقول: أبو النجم أبلغ في النعت من العجاج:
وكانت له موازنات بين الشعراء، فهو يشبه جريراً بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة. وكانت له تشبيهات جميلة؛ من ذلك قوله: عليكم بشعر الأعشى فإني شبهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركي. وكان يقول: إنما شعر ذي الرمة نقط عروس تضمحل عما قليل، أو أبعار ظباء لها شم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح الأبعار. وعرض عليه قول عدي بن الرقاع:
لولا الحياء وأن رأسي قد عثا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم
وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده الناس فرنقت ... في عينه سِنة وليس بنائم
فقال: أحسن والله وكان عنده شيخ مدني جالس فقال والله لو سمعت لحن معبد في هذا الشعر لكان طربك أشد واستحسانك أكثر وكان أبو عمرو لكثرة تنقله واتصاله بأهل البادية يعرف فصحاء القبائل فيقول: (أفصح الناس أهل السروات) وقد بلغ من قدرته أن وضع - كما أعترف - بيتا من الشعر دسه في شعر الأعشى وهو:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فلم يلمس صنعة إلا بشار.
إقبال الناس عليه وتلاميذه:
إن رجلًا بلغ من العلم والأدب والمكانة ما بلغه أبو عمرو يكون قبلة الناس في مجتمعاته؛ فلقد روي أن الحسن مر بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال من هذا؟ فقالوا