تغلغلت في فجاج روحه، تحت وطأة مرض طويل المزه الفراش وبحت به آلامه! وهنا قال هايني:
(إنني في حاجة إلى الله، ففي الليل حينما تأوي زوجتي إلى فراشها أشعر بالوحدة، وينفر مني النوم، وأظل أتقلب في الفراش وأتحول من جنب إلى جنب، ويغشى جسمي الألم ويدب به من الرأس إلى القدم، وفي كل لحظة أعتقد أن نهايتي قد دنت وحانت منيتي. . . وفي مثل تلك اللحظات يؤنس وحشتي أن أفكر في أن هناك في السماوات - أو في أي مكان آخر - من أستطيع أن ألجأ إليه في كربتي وضائقتي، ومن أتهمه أدينه وألقي عليه التبعة. . .) ولعل هذه الكلمات الأخيرة هي وحدها التي تركت أثرها العميق في نفسي وحسي. إن فيها دفقات هائلة من حرارة الشعور في القلب الإنساني؛ الشعور الذي تنبلج أمامه أنوار الحقيقة والأيمان في لحظات الشدة والضيق وحيرة الرجاء، هناك حيث يتجه الضعفاء بقلوبهم إلى رحاب الله ينشدون العون، حين يعز النصير على أرض البشر! إنها ليست كلمات، بل أنات. . . هتكت ستار الصبر والجلد، وتركت مكانها من حنايا الضلوع وشغاف القلب، وخرجت إلى الناس تروي لهم قصة الألم والأيمان!
إنه هايني الإنسان. . . هايني الذي هتف مرة في غمرة من غمرات عذابه: لن أنتسب بعد اليوم إلى الملحدين والجاحدين، لقد أصبحت أومن بأن أوائل الأشياء وأواخرها هي في الله!
مع الدكتور طه حسين:
كنت أتحدث منذ شهرين مع الدكتور طه حسين بك عن الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وكان بدء الحديث سؤالاً مني للدكتور عما إذا كان قد لقي سارتر في خلال تلك الفترة التي تغيب فيها عن مصر ليقضيها في فرنسا، ثم تطرق الحديث بعد ذلك إلى شخصية سارتر الأدبية والفلسفية، وإلى حقيقة المكان الذي يشغله في الأدب الفرنسي المعاصر.
وسارتر - كما لابد أن يعرف المتتبعون لأخباره من القراء - فيلسوف وجودي ملحد، أصدر البابا أمرا بمنع دخول كتبه الفلسفية إلى مدينة الفاتيكان لما فيها من إنكار سافر لوجود الله! وهو بعد ذلك أديب ارتقى سلم المجد الأدبي في وثبة واحدة بدلا من ارتقائه في وثبات؛ ومن العجيب أنه إلى ما قبيل الحرب العالمية الثانية لم يكن شيئا مذكورا يلفت