ستظهر لنا بعد الشرح كان وقتها المناسب حينما كثر المسلمون كثرة تجعل من العسير الإشراف عليهم جميعا ولم يكثروا إلا بعد فتح مكة.
وإذن لقد هاجر رسول الله واتسعت دائرة الإسلام وكثر الأتباع وقد مضى عليهم ثلاثة عشر عام في مكة وثمانية أعوام في المدينة يقرءون بعادتهم اللغوية فلم يصل إلينا إن بعضهم أنكر على بعض في القراءة أو شكى بعضهم في تلاوة الآخر. نعم لقد مضى على الإسلام والقرآن في مكة ثلاثة عشر عاما نزلت فيها بضع وثمانون سورة ثم ثمانية أعوام في المدينة نزل فيها كثير من السور فما حدث خلاف بينهم مع إسلام كثيرين ممن لهم لهجات مختلفة من إمالة وتسهيل وغير ذلك وما أتانا خبر عن تنازعهم الذي أدى إلى أن يلبب عمر هشام بن حكيم بردائه وهما قريشيان لهجتهما واحدة ويذهب به إلى الرسول ليستقرئه والى أن يدخل الشك في قلب عمر فيقول الرسول ثلاثا: أبعد شيطانا. وأن يدخل قلب أبى بن كعب من التكذيب ولا إذ كان في الجاهلية فيضرب الرسول صدره فيتصبب عرقا. . .
العرب أمة أمية أغلبهم لم يقرأ كتابا قط ومنهم - كما في الحديث - الشيخ الفاني ومنهم الغلام ومنهم العجوز الكبيرة وهؤلاء تعجز ذاكرتهم عن الحفظ الوثيق وبخاصة القرآن قد كثرت سوره وتعددت آياته والرغبة الدينية في النفوس قوية يحرصون على قراءة القرآن فلا تنزل آية إلا بادروا إلى استماعها وتلقيها. ولكن ما يكادون يمر علهم زمن حتى يشتبهوا أن يكونوا هذا اللفظ أو مرادفه هو المنزل وأكثرهم لم يكتبوه لأميتهم فيرجعوا إلى الرسول والى من كتبوه يستعيدون ما تلقوه ويتكرر ذلك والرسول يشهد ما هم فيه من معاناة وما يبذلوه من جهد، ويعلم - كما قال لهم - أن القرآن أشد انفلاتا من الإبل في عقلها ورأى أفراد الأمة بعد فتح مكة قد كثروا. فمن يرعاهم إذا اختلفت ألفاظهم ومن يردهم إذا نقصوا أو زادوا.
والرسول كما قال الله فيه بالمؤمنين رءوف رحيم يسعى إلى تخفيف عن الأمة ولا يريد أن يشق عليها فقد سأل الله من قبل أن يخفف عنهم الخمسين صلاة حتى صارت خمسة صلوات في اليوم والليلة. فلجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله يسأله التخفيف عن أمته والرحمة بها (إني بعثت إلى أمة أميين منهم الغلام والخادم والشيخ الفاني والعجوز الكبيرة) (فأتاه جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد فقال