للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا نجاة!

(وظللت أعيش وسط معالم الانتصار وعلائم الرهبة حتى نقل إلى فرقتنا شاب غني من أسرة نبيلة، وأنا لا أريد أن أذكر لك اسمه، ولكن ثق أنني لم أقابل شخصاً له حظ هذا الشاب، فيه كل ما تتصور من القوة والنشاط، وكل ما تحلم به من الجمال والرشاقة، وكل ما تتمناه من الذكاء وسرعة البديهة والرقة في الحديث بل كل ما تصبو إليه من الثروة والبذخ. . . فيه كل هذا وأكثر منه: إقدام غريب لا يعبأ بالخطر أو الموت، ولا يفكر في الهزيمة. . . فما أن وصل هذا الشاب فرقتنا حتى تلاشى نفوذي وزالت سطوتي، وقد أراد أول مجيئه مصاحبتي لما رآه من الزعامة المعقودة عليّ، ولكني قابلته بفتور ولذلك تركني دون أن يظهر عليه شيء من التأثر).

(وأقول لك الحق لقد كرهته لما رأيت من شغف الجميع به واحترامهم إياه ولما شاهدته من إعجاب السيدات به وتهالكهن عليه وكم حاولت أن أجره إلى الشجار معي بأسلوبي التهكمي اللاذع وسخريتي المتصلة، ولكنه كان يجيب على ذلك بسرعة خاطره وذكائه وميله إلى السرور. . كنت أجدّ دائما وكان يمزح دائما، وفي النهاية بينما كنا في منزل بولندي نحضر حفلة من حفلات الرقص أسررت في أذنه جملة مهينة لكرامته لما رأيته من شغف ربة البيت به وصدوفها عني مع أنها كانت تعبدني قبل أن تتعرف إلى هذا الشاب الغني الجميل فما كان منه الا أن صفعني، فأسرعت إلى سيفي وأسرع إلى سيفه. . وقامت الدنيا وقعدت. وفقد بعض السيدات صوابهن، واندفع زملاؤنا وحالوا بيننا وبين الشجار؛ ولكنا غادرنا المكان رغبة منا في المبارزة الصريحة حتى يغسل كل واحد منا الإهانة التي لحقته بالدم!

(وذهبت مع شهودي الثلاثة إلى المكان المعهود، وكنت أنتظر غريمي في قلق واضطراب. . طلعت الشمس وأخذت حرارتها تزداد شيئاً فشيئا، وأتى يتهادى في مشيته مرتدياً قميصه واضعاً رداءه الرسمي على كتفه، يحمل في يده قبعته التي ملأها بفاكهة الكريز ولم يكن معه غير شاهد واحد.

أقمنا الشهود في نقطتين تبعد إحداهما عن الأخرى باثنتي عشرة خطوة، وكان من حقي أن تكون طلقتي الأولى، ولكني رفضت لما كنت أخشاه من أخطائه في حالتي العصبية. ورفض هو الآخر ولذلك تركنا المسألة للمصادفة وكانت في جانب هذا الشاب الذي أفسده

<<  <  ج:
ص:  >  >>