ولعلي في هذا الأسبوع أسجل عملاً مشرقاً من أعمال المجمع، وهو ما يتعلق بقرار المؤتمر الأخذ بالقياس في اللغة وجواز الاجتهاد فيها، وقد أتخذ هذا القرار، كما ذكرت في الأسبوع الماضي، بعد محاضرة للدكتور أحمد أمين بك ومناقشة فيها؛ وبعد هذا الموضوع أهم ما أثير في دورة المؤتمر لهذا العام، وأقرب الأشياء إلى الناحية العملية في مهمة المجمع بل هو الشيء العملي الوحيد الذي انتهى فيه المؤتمر إلى نتيجة موفقة، بفضل هذا البحث أو المشروع القيم الذي ألقاه الدكتور أحمد أمين بك في إحدى الجلسات.
عنوان المحاضرة (مدرسة القياس في اللغة) وقد بدأها بقوله: من طبيعة الأشياء أن يكون في كل جماعة مفكرة طائفة من المحافظين وطائفة من الأحرار. ثم قال: إن الاختلاف في اللغة، من حيث المحافظة والتجديد، كان واقعاً حتى بين الأدباء، فمن الشعراء والأدباء من كان يلتزم ما ورد في اللغة ولا يخرج عنه بحال من الأحوال، ومنهم من كان يجيز لنفسه أن يجدد، فيحكمون عن العجاج وابنه رؤية أنهما كانا يصيغان ألفاظا لم يسبقا إليها، ويروى عن بشار أنه كان يقيس ما لم يرد على ما ورد. ثم فصل وقوف اللغويين عند ما ورد، وأخذ النحويين والصرفيين بالقياس وبراعتهم فيه، وقال إنه كان بجانب كثرة المتقيدين بالسماع من علماء اللغة، قلة من القياسيين أو بعبارة أخرى مدرسة القياس في اللغة ومن أعلام هذه المدرسة أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، وكان أبو علي يقول: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، فإذا عربت لفظة أعجمية أجريت عليها أحكام الإعراب وعددتها إلى حد لم نصل إليه إلى اليوم فكان من رأيه أن الألف اللينة في الكلمة الثلاثية تكتب ألفاً مطلقاً سواء كان أصلها واواً أو ياء.
وبعد أن فرغ الدكتور من الناحية التاريخية في المحاضرة وصل إلى ما أسميه (مشروعاً عملياً) فبين ما يمكن أن يستفاد من القول بالقياس في اللغة - فيما يلي:
١ - كثيراً ما تذكر المصادر في كتب اللغة ولا تذكر أفعالها أو العكس، أو لا يذكر باب الفعل، وبالقياس يمكننا تكميل هذا النقص.
٢ - إذا وجدنا وزناً معيناً مستعملاً في الدلالة على شيء خاص أمكننا أن نقيس عليه ما لم يرد، وذلك مثل (فعال) كنجار للدلالة على محترف الحرفة.