والاقتصاد والتشكيل السياسي في بوتقته القومية الألمانية يجعل (تثقيف) حلفاء الغرب للألمان عملا ضئيل الجدوى ولكن ألسنة الرأي العام في المعسكر الإنجلوسكسونى يحلو لها أن تعتقد إن الألمان مكبوح جماحهم بواسطة هاتين السلطتين:
مجلس الدولي لمراقبة الرور، وهيئة مراقبة الروح العسكرية والإنتاج الصناعي والبحوث العلمية. وهذه السلطة الأخيرة مقصورة على الدول الثلاثة: بريطانيا وأمريكا وفرنسا.
وقد رأينا أن هيئة المراقبة الحليفة هذه وفروعها التفتيشية الثلاثة محدود نجاحها لأسباب تتصل بصميم الخلق القومي الألماني، إلا إن هناك كذلك دوافع (خارجية) تؤثر على مدى هذا النجاح وهي لذلك مصدر صراع للمعنيين بالمشكلة الألمانية. ولما كان النشاط الألماني الصناعي والفني حيويا وضروريا لا لإنعاش ألمانيا ورفع عبء النفقات المادية عن كاهل دافع الضرائب في بريطانيا وفرنسا وأمريكا فحسب، بل لإنعاش أوربا المحطمة إجمالا، فإن سلطة الرور الدولية تقيد الإنتاج الألماني بشروط تلزم الألمان بتصدير جزء معين إلى البلدان المجاورة سواء رضي الألمان أم لم يرضوا، وسواء فاض عن حاجتهم أم لم يفض، ومن هذه الشروط كذلك إقصاء الصناع والخبراء الألمان الذين كانوا على صلات وثيقة بالحركة النازية عن وسائل الإنتاج في الرور وغير الرور.
ويتوجس أعداء ألمانيا خيفة من هذه الحالة. فبالرغم مما يبدوا من صرامة في هذه القيود فإن هناك من يؤمن بأنها لن تكفي لإبادة عزم الألمان على المحاولة مرة أخرى للسيطرة على منطقة نفوذها التقليدية في أوربا وفي العلاقات الدولية، وفي الانتقام من عدوين لدودين هما اليهودية العالمية، والشيوعية الدولية. وقد اضطرت سلطات الحلفاء في الأسابيع الأخيرة لأن تنذر أصحاب الصحف الألمانية مراراً بأن يتفادوا توجيه الانفعال الألماني توجيهاً عنصريا ضد اليهود، وإن كانت قد أغفلت حدة التوجيه الملتهب الموجه ضد الشيوعية لأسباب واضحة. ولكن الألمان أو القوميين العنيفين منهم على الأقل يمزجون عن وعي (اليهودية العالمية) والشيوعية الدولية معاً. وبسبب هذا الخوف تواجه سلطات الاحتلال الحليفة في ألمانيا انتقادات عنيفة من الكتلة اليهودية القوية النفوذ في الولايات المتحدة وفرنسا كما حدث في قضية (الزاكوخ) زوجة مراقب معتقل يوخنفالد وما تبع الحكم المخفف عنها من موجة انتقاد وضغط سياسي استدعى تأليف لجنة برلمانية