في يلمق مشهَّر الأثناء ... كأنما طُوَّق بالدماء
يُطلب أو يُخلب قلب الرائي ... بين غناء منه أو بناء
يذكر لصديقه أن زائراً خفيف الروح ضئيل الأعضاء يسكن في قبته، وأنه يصعد ويصوب، فتارة يبلغ كبد السماء، وتارة يلامس الأرض، وهو ثوباً ثناياه بيض، وله طوق أحمر، كأنه طُوق بالدماء، فمن مغنياً أو يبصر بانياً عشه، يطرب أو يغلب على قلبه جمال هذا المغني الصغير والبناء الماهر فيخلبه.
ويقول في قصيدته يستزير بها صديقاً آخر ويُحسِّن له الزيارة بأن له غرفة عشش فيها الخطاف وأنس بها واطمأن إليها:
وقد كتبت أيدي الربيع صحائفاً ... كأن سطور البرق حسناً سطورها
فمن روضة سارِ إلينا نسميها ... ومن مُزنة مرخي علينا ستورها
وغرفتنا الحسناء قد زاد حسنها ... بزائرة في كل عام تزورها
بمبيضة الأحشاء سود شطورها ... مزنرة الأذناب حمر نحورها
مرفرفة حول البيوت وفودها ... محلقة حول السقوف وكورها
لهن لغات معجبات كأنها ... صرير نعال السبت عال صريرها
(كأن صوتها صرير هذه النعال المصنوعة من جلد مدبوغ جيد)
تجاورنا حتى تشب صغارها ... فيحلق فينا بالكبير صغيرُها
فزرنا تر اللذات بيضاً وجوهها ... محببة روجاتها وبكورها
أليس هذا وصف شاعر محب لهذا الطائر معجب به يرغب أصدقائه في زيارته بوصفه. ولولا رفقة به ورعايته له، ما عشش وفرخ في سقف حجرته وبقي حتى شبت صغاره فطارت مع كباره ويقول في قصيدة أخرى يدعو صديقاً له ويذكر ما عنده من المرائي الجميلة، وآلات اللهو، والفتية الأدباء، وهذا الطائر الصديق المستجير بغرفته، المحترم بجواره:
وغرفتنا بين السحائب تلتقي ... لهن عليها كلة ورواق
تقسِّم زوار من الهند سقفها ... خفاف على قلب النديم رشاق
أعاجم تلتذ الخصام كأنها ... كواعب زنج راعهن طلاق