تنظر وتنتظر فلا تنال شيئاً , لماذا؟ وأنت لا تهمل ولا تتكاسل، تنطوي على عملك في دأب ونشاط وتنزل عند رأي (المدير) في غير تردد ولا نقاش تبتغي أن تنال عنده الحظوة، وأن تبلغ منه الرضا، ولكنك ما تبرح في مكانك منبوذاً في ناحية.
أما هؤلاء الذين يظفرون بالترقية والدرجة والعلاوة فما منهم من يؤمن بالعمل، ولا من يرعى حق الوظيفة، ولا من يعني بالواجب، فهذه أكداس من الورق تتراكم أمامهم فلا يعيرونها التفاته ولا يأبهون لما بها، ولكنهم يجنون رضا الحكومة، ويستمتعون برحيق الوظيفة، وأنت تنظر وتنتظر في غير رجاء ولا أمل، فليت شعري لماذا؟
وخُيِّل إليك أن السر هناك في حجرة المدير فذهبت تكشف عن خبيئة الأمر فما أعجزتك الحيلة ولا ضاقت بك الوسيلة وأنت ذو ثقافة وعقل.
ورأيت الموظف يتملق (سعادة المدير) بأساليب أيسرها الإطراء والمدح، ويقترب إليه بوسائل أكرمها التذلل والتعبد والمدير يتقبل هذا وذاك في رضا وسرور. . هذا سبيل وعز عليك أن تسلكه فما في طبيعتك أن تفعل. ولكنك برمت بما ترى حواليك وحار عقلك، وآنذاك أن ترى مَنْ هم دونك يتسلقون السلم في سرعة وسهولة، وأردت أن تتذوق بعض ما يسعدون به.
وسطعت في خيالك خاطرة انجابت لها كل الخواطر السود في رأسك، وهدأت لها أعصابك الثائرة، فأنت قد عقدت العزم على أن تصل حبلك بحبل (سعادة المدير) فتتزوج من ابنته.
وزَين لك خيالك الأمر، فغداً - حين تتزوج من ابنة المدير - تصبح أنت صاحب الرأي في المكتب، وصاحب السلطان في الديوان، وصاحب الكلمة في المصلحة. واستبدت بك الفكرة فبعثت فيك النشوة واللذة. . .
وذهبت إلى (سعادة المدير) تخطب إليه أبنته فربتَ على كتفك وأجلسك إلى جانبه وحباك بعطفه وانفتح لك باب حجرته وباب داره في وقت معاً، وانحنى لك ساعيه وبوابه وهابك مرءوسيه وأعوانه، واحتفل بك أهله وأقاربه، ثم طلب إليك المهر فما تعوقت وما تعوق هو الآخر، فجاءتك الترقية والعلاوة والدرجة جميعاً، وابتسم (سعادة المدير) وابتسمت أنت أيضاً ولكن الأيام. . .
فيا ليت شعري هل كان أبوك يستنزل سخط السماء على ابنه العاق حين كان يتمتم بكلمات