للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بلزاك؛ ولكن أنفاسه تتقطع إذا ما حاول أن يجري معه في حلبة القصة الطويلة. . . هناك حيث رفعت بلزك طاقته الفنية إلى مرتبة أعظم قصاص في تاريخ الأدب الفرنسي إن القصاص العظيم أشبه بالجواد الأصيل. . . ذلك الذي لا تتضح طاقته على العدو إلا في رحاب المسافات الطويلة!

هذه كلمة لا أعتقد أنها تشق على فهم الأديب المعقب، وارجوا ألا تشق على إفهام غيره من المعقبين!

الفن عندنا وعندهم:

وقفت في (الأهرام) منذ أسبوعين عند صورة رائعة المغزى بعيدة الدلالة، تستحق من كل ذي عينين أن يقف عندها طويلا ليخصها بفيض من إكباره وإعجابه. . . أما تلك الصورة الفريدة فقد أشارت إليها الصحيفة الكبرى بهذه الكلمات:

(يقوم الممثل الكبير سيرلورنس أوليفييه مع زوجته فيفيان لي بتمثيل مسرحيتهما الجديدة (مدرسة الإشاعات) على مسرح (نيوثييتر) بلندن. وقد بلغ تهافت الجمهور على مشاهدة هذه المسرحية أن حجز جانب كبير من الأماكن مقدماً لعدة أسابيع؛ ويرى في الصورة جمع كبير وقد افترشوا الأرض لقضاء ليلتهم أمام مدخل المسرح ليتمكنوا من حجز أماكنهم عند فتح شبابيك التذاكر في الصباح).

أناس يفترشون الأرض وفي بيوتهم الفراش الوثير، ويتحملون مرارة الانتظار وما كان أغناهم عن الانتظار، ويضحون بالوقت وما أحوجهم إلى كل دقيقة يفندوها وتعود عليهم بما يشتهون ولكنه دعاء الفن. . . يلقي منهم آذاناً مصغية، وقلوباً متلهفة، ونفوساً تنشد متعة الذوق والفكر والروح.

عندهم فنانون عشقوا الفن وأخلصوا له. وعندنا مهرجون أجادوا التهريج ونبغوا فيه. . . وعنهم جمهور يستهويه كل جليل من الأمور وكل رفيع من الفنون وعندنا جمهور بليد الذوق متحجر العاطفة، يقضي ليله ونهاره متسكعاً في الطرقات أو متثائباً على القهوات! عندهم الوقت يوزعونه بين العمل المثمر حين يناديهم الواجب، وبين الكتب المفيدة حين تدعوهم المعرفة، وبين ملاعب التمثيل حين يشوقهم التحليق في سماء كل معنى جميل؛ وعندنا الوقت نضيق بطوله؛ لأنه فراغ وهباء: العمل في إخلادنا استخفاف بالتبعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>