آه، لقد انطوى صدري على كراهية أبي وجدتي والمرأة التي زعموا أنها أمي. . . كرهتهم جميعاً لأنهم كذبوا. . . وأحسست بالأسى يتدفق عارياً إلى قلبي. وجرفني الحزن حين أيقنت بأنني فقدت أمي إلى الأبد.
وحين رأتني زوجة أبي قذى في عينيها اتخذتني هدفاً لغضبها وثورتها وعشت في الدار ضائعاً لا أفوز إلا بفضله مما يتركه الخادم. حينذاك أرسلني أبي إلى المدرسة في المدينة ودفع بي إلى خادم يقوم على أمري فكان هو أبي وأمي وجلادي، فهو أب لا يعرف الرحمة وأم لتعرف الحنان وجلاد لا يعرف الشفقة. وعشت هناك أشعر بالغربة فأبي لا يزورني إلا لماماً إرضاء لزوجته، وهو أن فعل لا يحبوني بعطفه ولا يهش للقائي ولا يتبسط معي في الحديث ولا يهتم بحاجاتي ولا يعني بطلباتي، ومرت الأيام وهو ينأى عني رويداً رويداً حتى أصبح غريباً عن نفسي وعن قلبي في وقت معاً وأغص بالحرمان فالخادم ينعم وحده بمال أبي وأنا لا أنال قرشاً واحداً أشتري به بعض ما يشتري أترابي. وأشرق بالمهانة فأنا أغدو إلى المدرسة وأروح في ثياب مضطربة قذرة مهلهلة على حين أن رفاقي يرفون في الجديد والنظيف. وأحس بالضعة فما أستطيع أن أدفع عن نفسي عبث زملائي وتهكمهم فما بي من قوة أن أفعل. وتمادى صحابي فامتدت أيديهم إلى وجهي ورأسي، فطرت أفزع عنهم وافر منهم وهم يجدون في إثري لأكون لهم سخرية ولهواً. ولم تستطع نفسي أن تطمئن إلى هذا الوضع الوضيع وأنا عاجز اليد واللسان والقلب، فذهبت أتلمس مهرباً فكنت أقضي أوقات الفسحة مختبئاً في (المرحاض) ثم أنفلت - آخر اليوم المدرسي - إلى بيتي أحمل همي بين جنبي فما أجد متنفساً إلا أن أشكو إلى هذا الخادم الفظ وهو لا يلقي بالاً إلى شكاتي إلا والعصا على ظهري، وأبي بين عمله وشبابه في شغل.
وقضيت السنوات الأولى من عمري المدرسي أتوارى عن زملائي خشية أن تنالني أيديهم وألسنتهم، وأنطوي على نفسي في ركن من حجرة خيفة أن أعرض أسمالي البالية على أعين الناس في الشارع، فعشت في منأى عن الناس أطمئن إلى الوحدة وأرى فيها سلوان القلب وراحة النفس.
أفكنت أطمئن إلى هذا الوضع الوضيع في سهولة ويسر؟. ليت شعري ماذا كان يضطرب في خاطري حين أخلو إلى نفسي وإن قلبي ليتضرم غيظاً ويحتدم حقداً على