الإسلامية، الفارين من وجه، الطغاة والغزاة ببلادهم. وأخذوا يستشيرون النابهين منهم في كثير من أمور الدولة، وبخاصة إبان الأزمات.
ومنهم عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء، كان ذا مهابة وجلال، توقف عن مبايعة الظاهر بيبرس بالسلطنة، فعطلت المبايعة حتى ثبتت له عتقه. ومنهم أمين الدين يحيي الأقصرائي الذي كف يد قايتباي - على قوته وجبروته - عن المساس بمال الوقف، وقد أراد الاستيلاء على شيء منه للأنفاق على حروبه، ولهذه الحادثة أشباه.
على أن العلماء أنفسهم كانوا لا ينون يبذلون البذل الشديد والجهد الجهيد في نشر الدين القويم بين الناس، وبث الشريعة السمحة، والدعوة إلى العمل بها واتباعها، وتميز الحلال من الحرام، فقعدوا للتدريس العام في المساجد، وتصدوا للفتوى العامة، يقصدهم من أجلها القصاد، ويراسلهم بها المرسلون من فجاج العالم الإسلامي، فنهضوا بهذا العبء أفضل نهوض، وجرى الجدل بين بعضهم والبعض بسبب هذه الفتاوى والمساءلات. والعامة تترقب نتيجة الجدل وعاقبة النقاش، وتتعصب للبعض على البعض، وتتحيز لفريق دون فريق، فكان من وراء ذلك حركة ذهنية فكرية لا بأس بها ذات مساس بالعقيدة، ووجد الناس فيها عوضاً عن هذا الكبت السياسي، وبديلا من هذا الحرمان العسكري، ومتنفساً عن هذا الاختناق.
ومن المظاهر الحية لتلك الحياة الفكرية المحاكمات التي جرت على بعض العلماء المجهدين - كابن تيمية الحراني وتلميذه ابن القيم - بسبب بعض آرائهما وأدى ذلك إلى سجنهما واشترك في الجدال عدد جم من أفاضل علماء العصر، وألفت في موضوعاته شتى الرسائل والمؤلفات.
وفي عهد الأشرف قايتباي قامت فتنة كبرى بين العلماء وتابعهم فيها العامة، واشترك في لجتها العلماء. وكانت بسبب الشاعر الصوفي عمر بن الفار - أحد شعراء العصر الأيوبي - وما ساقه من ألفاظ وعبارات في تائيته المشهورة، مما رمزبه إلى الذات الإلهية. فكفره بعضهم ونسبة إلى الحلول، وأعتذر له البعض بضيق اللغة عن أداء معانيه النفسية، وكانت ضجة كبرى ضلت زمناً، وألفت فيها الرسائل والمقالات والبحوث والأشعار، وأوذي بسببها بعض العلماء، حتى حسمها السلطان بفتوى كتبها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وكانت