ورجعوا إلى مقرهم فلبسوا أسلحتهم وحملوا أمتعتهم وخرجوا إلى باب الكهف يقطعون المسافة أمامه ذهوبا وجيئة وهم ينتظرون الأمر بالانقضاض، وكل منهم يهمس لأخيه: متى سنذهب؟ لقد تأخرنا اليوم!.
ثم دوى في الفضاء صوت جهوري تردد صداه في جنبات الوادي: استعدوا.
فخشعت الأصوات، وشمل الحاضرين سكون رهيب، وتراص الجميع في صفوف منتظمة، ووقف على رأس كل صف ضابط ينادي الجنود بأسمائهم.
ثم برز القائد الأعلى وخطب فيهم يستنهض الهمم ويستحث العزائم فقال: لست أرابي في حاجة لأن أذكركم بما يجب على الجندي في الميدان من الاستبسال في القتال، والحرص على الفوز. لا أملك إلا أن أقول: علينا أن نصل إلى النصر بأي ثمن.
فرد الجند من أعماق قلوبهم: إننا - بعون الله تعالى وحسن قيادتك - منتصرون (إن ينصركم الله فلا غالب لكم).
وزحف الجند في حذر، وكانت النجوم لا تزال تؤدي رسالتها في كبد السماء، ترشد الضال، وتنير الطريق. وكان البرد قد بلغ النهاية في الشدة، ولكن الكتيبة ما كانت تقيم له في حسابها وزنا كأن حرارة الإيمان بددت من حولها برودة الطقس.
وكان على الجند الزاحف أن يقطع مسافة غير قصيرة ليصل إلى خنادق العدو التي توفرت له فيها أسباب الراحة وألوان المتع، وكميات من الزاد والذخيرة لاتحد. . . ففيها الفرش الوثير، والطعام الكثير، والعتاد الوفير، الذي انثال على اليهود من كبريات دول الغرب.
وحين أصبحوا غير بعيد من مراكز العدو استمعوا إلى القائد يصيح فيهم: تأهبوا للهجوم. فانقسموا إلى أربع فرق، كل فرقة لا تعدو العشرين، وإن هي إلا لحظات حتى كانوا مرهفي الحس لتلقي أمر القائد.
ووصلوا إلى المنطقة التي تجب فيها الحيطة ويلزم الحذر حيث الألغام المبثوثة، والأسلاك الشائكة والقنابل المنثورة. ولم يمض إلا قليل حتى أصوات الطلقات في الفضاء، فعلموا أن الحراس قد أحسوا بهم، وأنهم يستعدون للقائهم.
وانبطح أفراد الكتيبة على الأرض، وابتدأت المعركة، وكانت رعدة من البرد قد سرت في