أجسادهم حين افترشوا الأرض، لكنها لم تلبث أن تبددت عندما حمى الوطيس.
ثم تعالت صيحات الفزع من خنادق الصهيونيين، وارتفعت أصوات السب واللعن لمن حرمهم لذة التمتع بالنوم في ذلك الوقت الباكر.
وأخذ أفراد الفرق يتقدمون رويداً رويداً زحفاً على البطون ووابل الرصاص يمرق من فوق رءوسهم فلما كانوا على خمسين متراً من مقر الأعداء، تزايدت الطلقات، فلم يعقهم ذلك عن التقدم في العراء.
وقد أطلقوا العنان لأسلحتهم تقذف بنيرانها إلى الخنادق التي لم تتأثر بها كثيراً فكانت تصدم بالجدر المتينة ثم تعود من حيث أتت حسيرة، لأنها لم تبلغ الغاية ولم تقيم بالمهمة.
ونادى القائد نداءه الصارم: أيها الجنود البواسل! الكلمة الآن للقنابل. . . ليهجم الصف الأول على الخنادق الكامنة إلى اليمين. وأما الثاني والثالث فليقوما بالهجوم على الخنادق في الشمال. وليقف الرابع بالمرصاد، ليتقدم إلى من هم في حاجة إلى مساعدته.
وبدأت الشمس تنشر أشعتها في صفحة الكون، فتبعث الدفء وتخفف حدة البرد، وتجلى الموقف على حقيقته، فهاتان قوتان تعتركان: أما أولاهما فهي قوة الظلم والعدوان، وحوش في زي الإنسان وجائرون في لبوس ذوي الحق المضاع والجناح المهيض. وهم من أجل ذلك يرتعشون فرقاً ويرتعدون خوفاً كلما التقوا مع المجاهدين في ميدان؛ لأنهم لا يعرفون الحكمة ولا الداعي لمحاربتهم لهؤلاء الوادعين الذين أمنوا في أوطانهم، واطمأنوا في ديارهم.
أما القوة الثانية فهي قوة الحق تتمثل في هذه الحفنة من الأبطال الذين خرجوا من ديارهم وأبنائهم، واستلموا سيوف العدالة ليبطشوا بالذين استباحوا الحرمات واعتدوا على الحريات، وعاثوا في الأرض فساداً. . . إنهم حين يندفعون إلى الأوكار اليهودية، قد وقر في نفوسهم، وارتسم في أذهانهم تلك الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الأشرار من سفك الدماء، وتقتيل الأبرياء، وهتك الأعراض، وتشتيت الأسر، وبقر بطون الحبالى، فتلتهب عزائمهم وتتمليء نفوسهم بالشجاعة والقوة، ويشعرون بالارتياح فيتقدموا إلى العدو وهم أشد تعطشاً لسفح دمه ثأراً لإخوانهم.
واستطاع جند الكتيبة أن ينفذوا إلى الخنادق، وفي داخلها نشبت المعركة، واشتد القتال. فلم